Dhu Nurayn Uthman Ibn Affan

Abbas Mahmud Al-Aqqad d. 1383 AH
73

Dhu Nurayn Uthman Ibn Affan

ذو النورين عثمان بن عفان

Genre-genre

ليالي نرمي كل ثغر وننكل

ولكن القائدين كانا أحكم وأكرم من أن تفسد عليهما هذه المنافسة عملا حاضرا بين أيديهما، فافترقا على أن يوغل حبيب في غرب أرمينية، وأن يوغل سلمان في شرقها، وأن يتلاقيا إلى الشمال بعد فتح المواقع بينهما؛ فدان لهما ما بين البحر الأسود وبحر الخزر، وصرفا بأسهما إلى العدو ضنا بقوة الجيشين أن تتفرق في المنافسة على الإدارة والسمعة، ولكنها منافسة كانت تحتدم في أيام السلم وبين سكان المدن؛ فلا تنتهي بغير خصومة ولا تنتهي الخصومة فيها بغير شر وعناد. •••

ومن مقابلة النقيض بالنقيض أن نستطرد من قصة حبيب وسلمان إلى قصة الوليد بن عقبة وسعيد بن العاص اللذين تعاقبا على ولاية الكوفة في عهد عثمان، وقد أجمع المؤرخون على فداحة الخطر الذي نجم من هذه القصة على إمامة عثمان بين أهل الكوفة، ثم بين سائر الأمصار.

كان الوليد بن عقبة والي الكوفة قد اتهم بشرب الخمر؛ فعزله عثمان وأمر بإشخاصه إليه وأسند الولاية بعده إلى سعيد بن العاص؛ فغضب نفر من بني أمية على سعيد؛ لأنه غسل منبر المسجد قبل أن يخطب عليه، وعدوا ذلك تشهيرا بالوالي المعزول، وتربصوا به الدوائر يكيدون له بين رعيته ويغرون به من يلغط في مجلسه.

ونحن نقتبس من جملة المؤرخين، كالطبري وابن الأثير وغيرهما، زبدة هذه القصة التي كان لها كل ذلك الخطر من بدء الفتنة إلى مقتل عثمان.

وزبدة هذه القصة من مراجعها المتواترة أن سعيدا اختار وجوه الناس وأهل القادسية وقراء أهل الكوفة، فكان هؤلاء دخلته داخلا وأما إذا خرج فكل الناس يدخل عليه.

وسأل عن أهل الكوفة فأطلعوه على حالهم؛ فكتب إلى عثمان بما انتهى إليه كما أمره، وقال له فيما قال: «إن أهل الكوفة قد اضطرب أمرهم وغلب أهل الشرف منهم، والغالب على تلك البلاد روادف ردفت، وأعراب لحقت، حتى ما ينظر إلى ذي شرف ولا بلاء من نازلتها ولا نابتتها ...»

فأتاه الجواب من عثمان أن يفضل أهل السابقة والقدمة ممن فتح الله عليه تلك البلاد، وليكن من نزلها بسببهم تبعا لهم، إلا أن يكون أهل السابقة قد تثاقلوا عن الحق وتركوا القيام به وقام به هؤلاء، وليحفظ لكل منزلته ويعطيهم جميعا بقسطهم على سنة العدل والمعرفة بأقدار الناس.

وأرسل سعيد إلى وجوه القوم فقال لهم: «أنتم وجوه من وراءكم، والوجه ينبئ عن الجسد، فأبلغونا حاجة ذي الحاجة وخلة ذي الخلة، ثم أدخل معهم من يحتمل من اللواحق والروادف وخلص بالقراء والمتسمتين في سمره، فانقطع الذين لا سابقة لهم ولا قدمة بعضهم إلى بعض، وجعلوا يقعون فيه وفي عثمان، وكلما لحق بهم لاحق من ناشئ أو أعرابي أو مولى طليق أعجبه كلامهم؛ حتى غلب الشر وفشت القالة، فكتب سعيد بذلك كله إلى عثمان على ما تعوده الولاة من إبلاغ كل كبيرة أو صغيرة إلى الخليفة منذ أيام الصديق، فنادى منادي الخليفة إلى صلاة جامعة وخطبهم وتلا عليهم ما جاءه من سعيد، وذكر لهم أنه يريد أن يبعث إلى العراق بمن شاء النقلة إليه من أهل السابقة، ويأذن له في أن يبيع ما يملك بالحجاز عسى أن يستعين بهم سعيد على نصيحة الشاغبين من الروادف والأتباع.

على أن سعيدا لم ينقطع عن لقاء العامة إذا جلس للناس، فحدث في بعض هذه المجالس أن فتى غرا أثنى على طلحة بن عبيد الله فقال: ما أجود طلحة! قال سعيد: إن من كان له مثل بساتينه لحقيق أن يكون جوادا ... والله لو أن لي مثلها لأعاشكم الله بها عيشا رغدا ... فقال عبد الرحمن بن قيس، وهو فتى حدث: والله لوددت أن لك ما كان لكسرى على نهر الفرات؛ فانتهره أناس من الحاضرين وصاحوا به: أتتمنى له سوادنا! وهاج الشر بينهم وبين أهل الفتى، وسمع قومه من بني أسد بما أصابه فجاءوا وأحاطوا بالقصر، وعاذت القبائل بسعيد، فأقسم ألا يغشى مجلسه أحد من أولئك الشاغبين «فقعد أولئك النفر في بيوتهم وأقبلوا يقعون في عثمان.»

Halaman tidak diketahui