============================================================
فمولده صلى الله عليه وآله وسلم في شهر ربيع فيه من الأشارات والبشارات ما تقدم ذكر بعضه، وذلك بشارة ظاهرة من المولى تبارك وتعالى إلى التنويه بعظيم قدر هذا النتبي العظيم صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه رحمة للعالمين، ويشرى للمؤمنين، وحماية لهم من المهالك والمخاوف في الدارين، وحماية للكافرين بتأخير العذاب عنهم لأجله صلى الله عليه وآله وسلم . قال الله تعالى: { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} [الأنفال : 33] فوقعت البركات وإدرار الأرزاق والأقوات، ومن أعظمها منته على عباده لهدايته صلى الله عليه وآله وسلم لهم إلى صراط الله المستقيم.
ووجه آخر أيضا: وهو أن ما في شريعته صلى الله عليه وآله وسلم من شبه الحال: ألا ترى أن فصل الربيع أعدل الفصول، وأحسنها؟ إذ ليس فه برد مزعج، ولا حر مقلق، وليس في ليله ونهاره طول خارق، بل كله معتدل، وفصله سالم من العلل والأمراض والعوارض التي يتوقعها الناس في أبدانهم في زمان الخريف، بل الناس فيه تنتعش قواهم، وتنصلح أمزجتهم، وتنشرح صدورهم ، لأن الأبدان يدركها فيه من أمداد القوة ما يدرك النبات حين خروجه، إذ منها خلقوا، فيطيب ليلهم للقيام، ونهارهم للصيام، لما تقدم من اعتداله في الطول والقصر، والحر والبرد، فكان في ذلك شبه الحال بالشريعة السمحة التي جاء بها صلوات الله وسلامه عليه من رفع الإصر والأغلال التي كانت على من قبلنا.
وأخيرا: شاء الحكيم العليم أنه صلى الله عليه وآله وسلم تتشرف به الأزمنه والأمكنة لا هو يتشرف بها، بل يحصل للزمان والمكان الذي يباشره صلى الله عليه وآله وسلم الفضيلة العظمى والمزية على ما سواه من جنسه إلا ما استثني من ذلك لأجل زيادة الأعمال فيها وغير ذلك، فلو ولد صلى الله عليه وآله وسلم في الأوقات المتقدم ذكرها لكان قد يتوهم أنه يتشرف بها، فجع الحكيم العليم جل جلاله مولده صلى الله عليه وآله وسلم في غيرها ليظهر عظيم عنايته سبحانه وتعالى وكرامته عليه صلى الله عليه وآله وسلم.
338
Halaman 216