صلى الله عليه وسلم
ونادت: «يا معشر المسلمين، هذا جلباب رسول الله لم يبل، وقد أبلى عثمان سنته.» وليس أدل على شدة حفيظتها عليه من امتناعها أن تقوم بالصلح بينه وبين الخارجين عليه حين اشتد عليه الأمر وصار إليها مروان فقال لها: يا أم المؤمنين، لو قمت فأصلحت بين هذا الرجل وبين الناس!
قالت: قد فرغت من جهازي وأنا أريد الحج.
قال: فيدفع إليك بكل درهم أنفقته درهمين.
قالت: «لعلك ترى أني في شك من صاحبك! أما والله لوددت أنه مقطع في غرارة من غرائري، وأني أطيق حمله فأطرحه في البحر.»
قلنا: إن نظام الحكم في عهد الصحابة من حيث توزيع السلطات كان نظاما تيوقراطيا في إرجاعه كل شيء إلى الله تعالى، وأن المال مال الله، والجند جند الله، وأن الحكم لله لا للناس.
ويقول لنا التاريخ: إنه كان بين عثمان وخازن بيت المال في عهده مشادة ومنافرة، وإن جل النقاد اتخذوا من هذه المشادة مطعنا في سياسته المالية، وثلمة يتهجمون منها عليه، وكانت هذه المشادة بينه وبين خازن بيت المال في أمر عطائه، حتى قال له عثمان: «إنما أنت خازن لنا؛ إذا أعطيناك فخذ، وإذا سكتنا عنك فاسكت»، فقال: «كذبت والله! ما أنا لك بخازن ولا لأهل بيتك، إنما أنا خازن المسلمين»، وجاء بالمفتاح يوم الجمعة وعثمان يخطب، فقال: «أيها الناس، زعم عثمان أني خازن له ولأهل بيته، وإنما كنت خازنا للمسلمين، وهذه مفاتيح بيت مالكم.» ورمى بها، فأخذها عثمان ودفعها إلى زيد بن ثابت.
وليس من شك في أن شباب العرب عامة، وقريش خاصة، لهم آمالهم ولهم مطامعهم وهم في مقتبل عمرهم حين يكون الطموح إلى اعتلاء المراتب الرفيعة مصطدما بالوازع الديني، وأنهم تألموا أن ينال عبد الله بن خالد بن أسيد خمسين ألف درهم، ومروان بن الحكم خمسة عشر ألفا، مع أن عثمان استردها منهما لما عوتب ونوقش، وتألموا أن يذهب آل عثمان بمناصب الدولة وهم يرون في أنفسهم من الكفايات والمواهب، ومن الحسب والنسب ما لا يقل عما لهؤلاء. •••
وما لنا نذهب بعيدا في الاستدلال على نظريتنا هذه والنفس الإنسانية هي هي الطموح إلى زينة العاجلة وزخرفها، وقد جاء في الأغاني في معرض كلامه عن أبي قطيفة الشاعر:
إن ابن الزبير مضى إلى صفية بنت أبي عبيد، زوجة عبد الله بن عمر، فذكر لها أن خروجه كان غضبا لله تعالى ورسوله عليه السلام والمهاجرين والأنصار من أثرة معاوية وابنه وأهله بالفيء، وسألها مسألته أن يبايعه، فلما قدمت لزوجها عشاءه ذكرت له أمر ابن الزبير واجتهاده، وأثنت عليه وقالت: ما يدعو إلا إلى طاعة الله - جل وعز - وأكثرت القول في ذلك، فقال لها: أما رأيت بغلات معاوية اللواتي كان يحج عليهن الشهب! فإن ابن الزبير ما يريد غيرهن.
Halaman tidak diketahui