الناس من حيث ميولهم ومعتقداتهم، دينية كانت أو سياسية، لا يكادون يعدون طبقة من ثلاث: محافظين، ومعتدلين، ومتطرفين.
ولسنا آخذين بسبيل من التوضيح لأحكام هذه الجماعات أو الأحزاب في حياة عثمان، ولا نظر كل فئة منهم إلى سياسة حكومته، وإنما يكفينا أن نقول: إن هذه الفئات التي تكون دائما قوة الرأي العام الذي كان له في حكومات الصحابة صوت يؤبه له وإرادة تحترم، مع مراعاة طبيعة النفسية العربية البدوية الشديدة الإباء والأنفة، هذه الفئات لم يكن شبابها ولا كهولها، زهادها ولا النفعيون فيها، براضين عن حكومة عثمان.
كان نظام الحكم في عهد الصحابة من حيث توزيع السلطات نظاما تيوقراطيا - إذا صح لنا هذا التعبير، وهو صحيح لا محالة - ذلك لأنهم بإيمانهم وتقواهم وكامل إسلامهم جعلوا الله تعالى مصدر السلطات الدينية والدنيوية، فكل شيء لله؛ المال مال الله، والجند جند الله.
ومن هذه الناحية توافرت الشورى، وتوافرت الكرامة الدينية، وربما كان المحافظون من رجال الدين يتبرمون من هذه الناحية أيضا بمنهج حكومة عثمان، التي لا نشك أن حزبها أيام عثمان لم يكن بذي خطر، اللهم في ماضيه من حيث الزعامة والسيادة وما إلى ذلك في العصر الجاهلي، ولكنه فاز أخيرا ولعبت الجماعة العثمانية، ومنهم الأمويون، دورهم المعروف ذا الأثر الكبير في العقلية العربية والمدنية الإسلامية. (3) حكومة عثمان ونظر الجماعات العربية إليها
وبعد، فماذا نقم الشباب والشيوخ من حكومة عثمان؟
أما نحن فلا يطلب منا أن نبدي رأينا في عثمان، فهو صحابي جليل، وله أثره الخالد في جمع القرآن وغير القرآن، وله دينه السمح الذي لا تشوبه شائبة، وما كان الدين ليحتم على الناس جميعا أن يكون نظرهم إلى الحياة الدنيا نظر التقشف والزهد، ولا يطلب منا أن نثبت ضعف الحكومة العثمانية، وإنما يطلب منا أن نسرد الحوادث بإيجاز، ولنا في تسلسل هذه الحوادث ودراستها وتقييد آثارها ما قد يسمح لنا بالتعرض له حين معالجتنا الكلام عن عصرنا فيما بعد.
نعود فنتساءل: ماذا نقم الشباب والشيوخ من حكومة عثمان؟
يقول اليعقوبي: «إن عثمان آثر القرباء، وحمى الحمى، وبنى الدار، واتخذ الضياع والأموال بمال الله والمسلمين، ونفى أبا ذر صاحب رسول الله وعبد الرحمن بن حنبل، وآوى الحكم بن أبي العاص وعبد الله بن سعد بن أبي سرح طريدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وأهدر دم الهرمزان ولم يقتل عبيد الله بن عمر به، وولى الوليد بن عقبة الكوفة فأحدث في الصلاة ما أحدث ولم يمنعه ذلك من إعاذته إياه.»
ويذكر اليعقوبي - في مكان آخر - ما كان من إغضاب عثمان لعائشة أم المؤمنين، ومكانة عائشة مكانتها، وأنه نقص ما كان يعطيها عمر بن الخطاب، وأنها تربصت بعثمان حتى رأته يخطب الناس فدلت قميص رسول الله
Halaman tidak diketahui