Carab Hadha Zaman: Watan Bila Sahib
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
Genre-genre
الخطورة الآن بعد تغييب الوعي التاريخي على الوجود العربي في التاريخ. لم يعد يتحدث أحد عن العرب إلا في مقابل البربر في المغرب العربي، وإلا في السودان في مقابل الأفارقة في الجنوب، أو في مقابل الكرد والترك في العراق، بل الحديث كله طائفي بين السنة والشيعة في الخليج والعراق، أو المسلمين والأقباط في مصر، والموارنة والمسلمين في لبنان، والزيدية والشوافع في اليمن. الخطورة الآن التضييق على مصر، وقص أجنحتها وخناقها من الشرق بتفتيت العراق، ومن الغرب بتفتيت المغرب العربي، ومن الجنوب بتقسيم السودان؛ حتى لا يترك لمصر إلا الشمال الأوروبي الذي ورث الخلافة. وإذا كان الحلم القديم «مصر قطعة من أوروبة»، فلماذا لا يعود من جديد؟
وطن بلا صاحب
لم يعد الوطن العربي قادرا على حماية سمائه والدفاع عن أرضه. تفعل فيه القوى الأجنبية ونظم الحكم ما تشاء وكأنه وطن بلا صاحب، جسم مخدر يفعل فيه الأجنبي ما يشاء بالتقطيع والترقيع ونقل الأعضاء بمساعدة الممرضين المحليين لخلق جسد جديد، فاقد الهوية، عاجز عن الحركة.
تقوم القوى الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بالغزو المباشر للعراق وأفغانستان ، وتقبض على زعمائها السياسيين بالغزو المباشر أو بالمحاكمة غير العادلة، وإعدام رموزها الذين كانوا يعتبرون الوطن أيضا بلا صاحب، ملكية خاصة لهم، ودرس لباقي الزعماء الذين ملكوا الأوطان كملوك صغار يأتمرون بأمر ملك الملوك، والسلطان الأعظم. وإسرائيل تقتل من تشاء، وتدمر ما تريد. سماء لبنان وفلسطين مفتوحتان، وأرضهما تجول فيهما مدرعات العدو. وتفعل المقاومة الشعبية ما تستطيع في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان لتبين أن الأوطان لها صاحب، وهي الشعوب القاطنة فيها بعد أن أنكرتها القوى الكبرى من الخارج، واستعبدتها نظم الحكم في الداخل. الأولى بالغزو العسكري المباشر، والثانية بقوات الأمن والشرطة والجيش إن لزم الأمر ضد المعارضة السياسية؛ القلب الذي ما زال ينبض بالحياة. الأولى لنهب ثروات الأوطان؛ النفط وعوائده. والثانية لنهب ثرواته الداخلية، واحتكار مواردها، وتهريب الأموال. وتجتمع السلطة السياسية والثروة الاقتصادية في الحزب الحاكم المسيطر على جميع مظاهر الحياة المدنية. يزور الانتخابات، ويستأثر بالسلطة، ويدافع عن مكاسبه ومصلحته في الحكم والبقاء في السلطة إلى الأبد مثل رئيس النظام.
كما تفرض القوى الأجنبية إرادتها على الأوطان باسم الأمم المتحدة، وقراراتها في السودان لفرض قوات من الأمم المتحدة لحل قضية دارفور، والفلسطينيون منذ أكثر من نصف قرن ضحية دارفور الأولى، نزعهم خارج الأوطان، وتشريد نصف الشعب، ونزوحهم إلى الخارج، في المخيمات في دول الجوار، أو في بلاد النفط، أو في بلاد المهجر. ومن بقي منهم في الداخل يعيشون كمواطنين من الدرجة الثانية تحت الاحتلال. وتفرض الإرادة الدولية إرادتها على لبنان تحت ذريعة المحاكمة الدولية؛ مما يطعن في القضاء الوطني دون فرض إرادة مماثلة على إسرائيل وقد قتلت المئات من قادة المقاومة الفلسطينية.
وتدخلت القوات الأثيوبية ممثلة عن القوى الأجنبية للقضاء على نظام المحاكم الشرعية لصالح فريق آخر بدعوى القضاء على الإرهاب وتنظيم القاعدة. ويتم تهديد سورية وإيران بالغزو المباشر من أمريكة وإسرائيل لوضع حد لإمداد المقاومة اللبنانية بالسلاح من إيران، والتدخل السوري في لبنان، وتأييد المقاومة الفلسطينية، وزرع الإرهاب، ومقاومة مشاريع التسوية في المنطقة. وكما تم ضرب المفاعل النووي العراقي يتم الإعداد للقضاء على المفاعلات النووية الإيرانية حتى لا تمتلك إيران سلاح الردع النووي الذي يهدد أمن إسرائيل، تنفيذا لمخطط التخلص تماما من الجبهة الشرقية في الوطن العربي، سورية والعراق وإيران، بعد أن تم تحييد الجبهة الجنوبية في مصر، والشمالية في تركية، باتفاقات سلام واعتراف وصلح، والأراضي العربية في سورية ولبنان وفلسطين ما زالت محتلة.
والصاحب الأوحد مشغول بالتوريث أو بالحكم باسم الفرقة الناجية، أو الزعامة التاريخية، أو الإلهام السماوي، أو إرث الآباء والأجداد الذي يحافظ عليه الأحفاد. وتقوم الدول الصغرى بلعب دور الدول الكبرى ما دام الوطن بلا صاحب، تمهد لنظام عربي دولي جديد يصبح فيه الوطن العربي مركز خدمات واتصال بين الشرق والغرب، ومجالا للاستثمار مثل هونج كونج وتايوان وكوريا الجنوبية. وإسرائيل جزء فيه كقدرة على الاستثمار ودفع عوائد أكثر، ومرور أنابيب النفط من خلالها، وأداة للتحديث بعد أن تخلت مصر عن دورها التاريخي في الوطن العربي فأصبح بلا صاحب، يأتيه من يشاء لملء الفراغ.
أصحاب الأوطان في السجون والمعتقلات، تحت أهوال التعذيب الجسدي، والنفسي. يخضعون لقوانين الطوارئ أو مكافحة الإرهاب أو حماية الوحدة الوطنية. والأحرار منهم أقلية غير مؤثرة، مجرد صمام أمان للنظم السياسية القاهرة للداخل، والتابعة للخارج. والمثقفون والأدباء منهم يكتبون ويبدعون ثقافة وأدبا للتاريخ، يعبر عن مرحلة القهر والعجز والتبعية والضياع. يجرون عربة محملة بالأثقال بمفردهم ليصعدوا بها مسار التاريخ، يقيلون عثرته، وينهضون بكبوته حتى يأتي الزلزال فيغير الأوضاع، ويظهر التفاعلات الجديدة، وتنبثق منه المياه الجوفية السارية تحت الأرض في حمم البراكين بعد طول غليان.
وليست السماء والأرض وحدهما هما المفتوحتان للغزو العسكري المباشر، بل أيضا العقول ونظم التعليم والمؤسسات الثقافية والإعلامية للتبشير بالوطن البديل؛ التعليم للسوق باسم الجودة والحداثة، والثقافة العالمية لنشر قيم الاستهلاك، والإعلام لنشر قيم العولمة، وأن العالم قرية واحدة، قضت ثورة الاتصالات فيه على الخصوصيات الثقافية التي ما زالت تسبح ضد التيار.
وأصحاب الأوطان الشرعيين في أغلبيتهم مشغولون بلقمة العيش، أو البحث عن مصادر للرزق في الداخل أو في الخارج، بالكسب السريع أو الهجرة؛ فضعف الولاء، وعز الانتماء، وضاعت القضية التي طالما حلم بها الناس في الخمسينيات والستينيات. انتهى هذا الجيل الذي قاوم الاستعمار والصهيونية، وساهم في بناء الدولة الوطنية، وتحقيق المشروع القومي في الاستقلال الوطني والتصنيع، لحساب جيل جديد يوهم نفسه بالسعادة والخلاص عن طريق الدين أو «الشيشة»، أو السعي وراء ملذات الحياة في المأكل والمشرب والمسكن التي ملأت الحياة العامة في الطرقات والمنتديات، وتحزب الناس للنوادي الرياضية بعد أن انعزلوا عن الأحزاب السياسية.
Halaman tidak diketahui