فهنا نجد عاطفة تحرك الحيوان ولا نترك له مجالا للوجدان؛ أي إنه لا يدري ما يفعل، ونحن أحيانا نسلك هذا السلوك حين يطرأ علينا ما يغضبنا فننفجر ونثور؛ فإذا هدأنا وشرع أحد الحاضرين يلومنا على ما فعلنا أجبنا: «كنت متهيجا، لم أدر ما فعلت.»
وهذا السلوك العاطفي نراه كثيرا في الأم عند وفاة ابنها، فإنها تهذي كأنها نائمة أو حالمة؛ فإذا ذكرناها بما فعلت بعد ذلك بمدة لم تذكر شيئا.
ففي كل هذه الحالات وأشباهها نسلك سلوكا ذاتيا أعمى كالحيوانات بلا وجدان؛ أي: لا ندري ما نفعل، ولا نفكر التفكير المنطقي الموضوعي الذي هو ميزة الإنسان الكبرى، وإن تكن هذه الميزة مقصورة على أوقات قليلة من حياتنا الفكرية، وبدهي أن الوجدان يؤدي إلى شيئين: (1)
التفكير الحسن القائم على اعتبارات موضوعية منطقية. (2)
الضمير؛ أي إننا نحس المسئولية الاجتماعية ونتقيد باعتباراتها.
نقول: إن الوجدان يؤدي إلى المنطق وإلى الضمير.
والمنطق تفكير محض قد لا يداخله أي اعتبار أخلاقي.
ولكن الضمير تفكير اجتماعي تداخله الاعتبارات الأخلاقية.
ونحن حين نعيش في مجتمع ننتهي إلى الأخذ بمقاييسه ومثلياته بإيحاء القدوة وباللغة التي يتكلم بها أفراده؛ إذ تتعين لنا القيم بكلمات هذه اللغة، ولهذا السبب لا يزيد الضمير على مستوى المجتمع الذي نعيش فيه، إلا إذا كان الشخص فذا يستقل في تفكيره ويرى رؤيا لا يراها الأفراد العاديون، كما هي الحال في الثائرين والمصلحين والأنبياء والقديسين؛ فإن ضميرهم يسمو على المجتمع؛ لأنهم يتخيلون مجتمعا راقيا له مقاييس أخرى.
والضمير هو في جميع الحالات صراع يضعف أو يقوى بين عاطفتين أو أكثر، فهو صراع بين الأنانية والغيرية؛ أي: هل نؤثر مصلحتنا الذاتية وإن يكن بها ضرر لغيرنا، أو نؤثر مصلحة هذا الغير أيضا فنسلك السلوك السوي بين المصلحتين؟ أي إن الضمير صراع بين الأنانية الذاتية وبين واجبات المجتمع، وبدهي أن رجلا يعيش وحده بعيدا عن الناس لا يمكن أن يكون له ضمير؛ لأننا بالضمير نطالبه بأن يكون صادقا نبيلا كريما مغيثا للملهوف تقيا يعرف المروءة ويتجنب الغش والفسق والخداع والكذب، ولكن ما دام يعيش وحده كيف يمكنه أن يمارس ما نطالبه به ولمصلحة من يفعل هذا؟
Halaman tidak diketahui