ممزقا يلعبون بمطثة
3
عند مدخل الضيعة، فيتلهى رجلا العالم الآخر بالنظر إليهم، وكانت مطثاتهم قطعا واسعة بعض الاتساع مدورة صفرا حمرا خضرا لامعة لمعانا عجيبا، ويرغب السائحان في التقاط بعضها، فهي من ذهب وزمرد وياقوت، ويصلح أصغرها لأعظم زينة في عرش المغول، ويقول ككنبو: «لا ريب في أن هؤلاء الصبيان أبناء لملك البلد، يلعبون بالمطثة الصغيرة.»
ويظهر في هذه الساعة معلم القرية؛ ليدخلهم إلى المدرسة، ويقول كنديد: «هذا هو معلم البيت المالك.»
ويترك صغار الصعاليك لعبهم من فورهم، ويتركون على الأرض مطثاتهم، وجميع ما يصلح لتسليتهم، ويجمعها كنديد، ويهرع إلى المعلم، ويقدمها إليه بتواضع، ويخبره بالإشارات أن أصحاب السمو الملكي أولئك نسوا ذهبهم وجواهرهم، ويتبسم معلم القرية، ويرميها على الأرض، وينظر إلى وجه كنديد ذات دقيقة مع كثير حيرة، ويستمر على سيره.
ولم يفت السائحين أن يجمعا الذهب والياقوت والزمرد، ويقول كنديد صارخا: «أين نحن؟ لا بد من أن يكون أبناء ملوك هذا البلد حسني التربية، ما داموا يعلمون ازدراء الذهب والحجارة الكريمة.»
وكان ككنبو بالغ الحيرة ككنديد، وأخيرا يدنوان من منزل القرية الأول الذي كان مبنيا كقصر من قصور أوروبا، وكان يوجد جمع كبير مزدحم حول بابه، وجمع أكبر منه داخله، وكانت تسمع موسيقا بالغة الرخامة، وكانت تشم رائحة طبخ لذيذة، ويقرب ككنبو من الباب، ويسمع القوم يتكلمون بالبيروية التي هي لغة أمه، فكل يعلم أنه ولد في توكومان بقرية لا يعرف فيها غير هذه اللغة، ويقول لكنديد: «سأقوم بعمل ترجمان لك، لندخل، هذه حانة.»
ولم يلبث فتيا النزل وبنتاه اللابسون إستبرقا والمعقود شعرهم بشرط، أن دعوهما إلى الجلوس حول المائدة، وتقدم حساءات أربعة مضاف إلى كل واحد منها ببغاوان ونسر مسلوق يزن مائتي رطل، وقردان مشويان لذيذان، وثلاثمائة نغير في طبق واحد، وستمائة عصفور طنان في طبق آخر، وتقدم يخنة شهية وحلاوى فاخرة، وكل في صحاف من بلور، وكان فتيان النزل وخوادمه يصبون كثيرا من المشروبات المصنوعة من قصب السكر.
وكان معظم الضيوف من التجار والحوذية، وكانوا كلهم بالغي الأدب، فيطرحون بعض الأسئلة على ككنبو برصانة بالغة التحفظ، ويجيبون عن أسئلته بما يرضيه.
ولما تم تناول الطعام رأى ككنبو كما رأى كنديد أن يدفع الحساب، بأن يطرح على المائدة قطعتي ذهب من القطع الكبيرة التي التقطها، فأغرب المضيف والمضيفة في الضحك، وأمسكا بأطرافهما زمنا طويلا، وأخيرا تماسكا، فقال المضيف: «نراكما يا سيدي من الأجانب، ولم نتعود رؤية الأجانب، فاغفرا لنا ضحكنا من تقديمكما حصباء من طرقنا العامة دفعا للحساب. أجل، ليس لديكما شيء من نقود البلد لا ريب، ولكن ليس من الضروري حيازتكما ذلك حتى تتغديا هنا، فالحكومة هي التي تدفع إلى جميع الفنادق القائمة نفعا للتجارة، وقد تناولتما طعاما حقيرا هنا؛ وذلك لأن هذه القرية فقيرة، ولكنكما ستقبلان في كل مكان آخر بما أنتم أهل له.»
Halaman tidak diketahui