Kebijaksanaan Siddiq
عبقرية الصديق
Genre-genre
صلى الله عليه وسلم
بنحو سنتين، وهو عبد الله بن عثمان الذي عرف باسم أبي قحافة، ويلتقي نسبه ونسب النبي
صلى الله عليه وسلم
عند مرة بن كعب، بعد ستة آباء، وكلا أبويه من بني تيم، وهم قوم اشتهر رجالهم بالدماثة والأدب، واشتهرت نساؤهم بالدل والحظوة، وقيل إن بنات تيم أدل النساء وأحظاهن عند الأزواج. وربما كان مرجع ذلك إلى طول عهد القبيلة بحياة المدينة وأشغالها، وأن اشتغالها بالتجارة كان يقوم على المودة وحسن المعاملة، ولا يقوم على بسطة النفوذ وصولة الوفر والغلبة، فبنو أمية - مثلا - كانوا يتجرون وكان زعيمهم أبو سفيان يرسل القوافل بين الحجاز والشام، ولكنها قوافل أشبه بالحملات والبعوث، معولهم فيها على الوفر والوفرة، وليست كذلك تجارة أبي بكر وإخوانه من أبناء البطون القرشية التي لها شرف النسب في غير مكاثرة بالعدد والعدة، ومغالبة بالصولة ودهاء القوة، كمغالبة الأمويين.
ومهما يكن من أثر المعاملة الودية وآداب الأسرة والمدنية في بني تيم، فهذه الآداب واضحة في أسرة الصديق رضي الله عنه أجمل وضوح، لم تذكر لنا قط أسرة كانت في عصره على مودة أجمل من المودة التي اتصلت بينه وبين أبيه وأمه وأبنائه، مدى الحياة. وقد كان له ابن حارب في صفوف المشركين، وأوشك أن يكون بينه وبين أبيه قتال، ولكننا إذا تجاوزنا هذه الفلتة من فلتات السن رجعنا إلى أبوة لا عقوق فيها بعد اهتداء ذلك الابن إلى الإسلام، كما اهتدى إليه سائر ذويه.
عاش أبو قحافة حتى رأى ابنه خليفة يرفع صوته على أناس لم يكن في مكة أرفع منهم صوتا وأعظم خطرا، وكان مكفوف البصر على باب داره بمكة يوم أقبل أبو بكر إليها معتمرا بعد مبايعته بالخلافة، فقيل له: هذا ابنك؛ فنهض يتلقاه، ورآه ابنه يهم بالنهوض فعجل نازلا عن راحلته وهي واقفة قبل أن ينيخها، وجعل يقول: يا أبت لا تقم! ثم لاقاه والتزمه وقبل بين عينيه، ولم ينتظر - وهو في نحو الستين - أن ينيخ راحلته لينزل منها، مخافة على أبيه من مشقة النهوض.
ودعا الخليفة بأبي سفيان لأمر أنكره فأخذته الحدة التي كانت تراجعه في بعض ثورات نفسه، وأقبل يصيح على أبي سفيان وهو يلين له ويسترضيه، فسأل أبو قحافة قائده: على من يصيح ابني؟ فقال: على أبي سفيان ! ... فدنا منه يقول له وفي كلامه من الغبطة أكثر مما فيه من الإنكار، وفيه من دهاء الطيبة أكثر مما فيه من سهو الشيخوخة: أعلى أبي سفيان تصيح وترفع صوتك يا عتيق؟! لقد عدوت طورك وجزت مقدارك!
فابتسم أبو بكر والصحابة، وقال لأبيه المنكر في رضاه الراضي في إنكاره: يا أبت إن الله رفع بالإسلام قوما وأذل به آخرين.
وهذه الطيبة التي لا تخلو من دهائها هي التي ظهرت من هذا الأب الصالح، يوم نعوا إليه رسول الله فقال: أمر جلل. وسأل: ومن ولي الأمر بعده؟ قالوا: ابنك؛ فعاد يسأل: فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم ... قال: لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع!
بل هذه الطيبة التي لا تخلو من دهائها هي التي ظهرت منه حين هاجر ابنه مع النبي
Halaman tidak diketahui