Kebijaksanaan Siddiq
عبقرية الصديق
Genre-genre
أما أبو بكر فقد عافاه الله من ذلك إبان الدعوة المحمدية؛ لأنها ظهرت وأبوه وأمه بقيد الحياة مفتوح لهما باب النجاة، فما زال بهما حتى دخلا معه في دينه، واطمأنت نفسه على أبيه وأمه وبنيه.
وفيما عدا هذا قيل له: دع هذه البقايا الفاسدة وأقبل ومن تحب على دين جديد فيه الخير والصلاح والهداية إلى خالق الأرض والسماء.
فلم لا يترك تلك البقايا الفاسدة؟ ولم لا يقبل على الدين الجديد؟
إنه لا يحب بقايا الجاهلية، ولا يربطه بها شح ولا كبرياء ولا ذلة ولا غباء، وإنه ليفهم ويعقل ويحب الخير والصلاح ويحس في قلبه جيشان الروح والضمير، وإن الذي يدعوه لكريم حليم صادق قويم حبيب إلى النفس مبرأ من العيب يحق له أن يجاب، وإنه لا يخاف لأنه شجاع، ولا يقابل الأمر بفتور المستخف لأنه رجل حي الفؤاد مطبوع على الحماسة لما يؤمن به والإعجاب بمن يستحق عنده الإعجاب.
فالعجب أن يدعى إلى تلك الدعوة فلا يجيبها أسرع ما يكون الجواب، وليس العجب أن يسرع إلى إجابتها كما أسرع فأجاب.
وهكذا يبين لنا في إسلام أبي بكر كما بان لنا في إسلام كل رجل ذي بال من السابقين إلى الدعوة المحمدية أنها دعتهم إليها بأسبابها المعقولة فاستجابوا إليها بأسبابهم المعقولة التي توائم كلا منهم أصدق المواءمة، ولا تحوج أحدا من المعللين والمفسرين إلى الخوارق المكذوبة، أو إلى تفسير الأمر بالوعد والوعيد ورغبة الجنة ورهبة السيف.
وكما قلنا في كتابنا «عبقرية محمد»:
إن الأقوياء لم يسلموا خوفا؛ لأنهم أقوياء، وإن الضعفاء لم يسلموا خوفا؛ لأن الإسلام عرضهم للقتل والعذاب ولسيوف المشركين الذين لهم عليهم سيادة وطغيان، وما كفر الذين كفروا لزهد ولا شجاعة فيقال: إن الذين سبقوهم إلى الإسلام قد فعلوا ذلك لشغب بلذات الجنة وجبن عن مواجهة القوة، ولكنهم اختلفوا حيث تطلب طهارة السيرة وصلاح الأمور فمن كان أقرب إلى هذه الطلبة من غني أو فقير ومن سيد أو مستعبد فقد أسلم، ومن كان به زيغ عنها فقد أبى، وهذا هو الفيصل القائم بين الفريقين قبل أن يتجرد للإسلام سيف يذود عنه، وبعد أن تجرد له سيف تهابه السيوف، وما يقسم الطائفتين أحد فيضع أبا بكر وعمر وعثمان في جانب اللذة والخوف، ويضع الطغاة من قريش في جانب العصمة والشجاعة إلا أن يكون له هوى كهوى الكفار ... •••
كان الصديق إذن أول رجل من شرفاء العرب دان بالإسلام بعد نبيه عليه السلام. دان به سريعا إلى دعوته لتلك الأسباب التي تليق به وتليق بالدعوة المحمدية، وكتب له في اللحظة الأولى أن يكون ثاني اثنين حين يكون النبي هو أول الاثنين. فكان ثاني اثنين في الإسلام، وثاني اثنين في غار الهجرة، وثاني اثنين في الظلة التي أوى إليها النبي يوم بدر الذي لا يوم مثله، وثاني اثنين في كل وقعة من الوقعات بين المسلمين والمشركين، وأقرب صاحب إلى النبي في شدة الإسلام ورخائه، وفي سره وجهره، وفي شئون نفسه وشئون المسلمين.
ومن اللحظة الأولى وهب للإسلام كل ما يملك إنسان أن يهب من نفسه وآله وبنيه. فأخذ أمه إلى النبي لتسلم على يديه وهي بين الحياة والموت، وجاءه بأبيه بعد فتح مكة ليسلم على يديه وقد جلله الشيب وابيض رأسه كأنه ثغامة ، وحمل ماله كله وهو يهاجر في صحبة النبي يؤثر به الدين على الآل والبنين.
Halaman tidak diketahui