بل ظهرت آثار الشعور بالتبعة بعد موت النبي، والحال على أشده في يوم السقيفة، والمسلمون مختلفون على من يلي الأمر بعد محمد، حتى قيل فيما قيل: من الأنصار أمير ومن المهاجرين أمير!
ففي تلك المحنة التي تشخص فيها الأبصار، وتعظم التبعات، وتودي زلة الساعة فيها بالكثير الذي لا تستدركه الأعوام، كان عمر الحاد الشديد يخشى بوادر الحدة من أبي بكر، ويهيئ الكلام اللين ليعالج الأمر بالرفق والتؤدة، ويقول فيما رواه عن محنته ذلك اليوم: «وكنت أداري منه بعض الحد - أي الحدة - فلما أردت أن أتكلم، قال أبو بكر: على رسلك! فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوقر.»
عمر الحاد الشديد يحاذر من بوادر أبي بكر، وأبو بكر الحليم الوديع يكف عمر عن الكلام، فيطيع!
هؤلاء رجال يعرفهم صاحبهم، وهذه مواقف يعرفها صاحبها، وهذه مسألة فصل فيها الزمن، ولم يبق لنا نحن الذين نعود إليها ونستخلص عبرتها، إلا أن نراقب ما فيها من آيات الإعجاز، وسوابق النظر البعيد.
ما وضع أبو بكر خيرا من موضعه، وهو يلي الإسلام والخطر من داخل أهله، والطب الذي يطبهم به هو طب التآلف والإحجام عن السطوة ما كان إلى الإحجام عنها سبيل.
وما وضع عمر خيرا من موضعه، وهو يلي الإسلام والخطر عليه من أعدائه المحدقين به، والطب الذي يطبهم به هو طب الصلابة والحزم الذي لا ينكل
6
عن صراع.
وكأنما توقع النبي - عليه السلام - أن أيام أبي بكر معدودات، ولكنها الأيام التي تحتاج إليه، وتكفي لإنجاز عمله، وتوقع أن يأتي عمل عمر في حينه المقدور، فلا يفوت الإسلام أن ينتفع بمقدرته في عهد أبي بكر ولا في عهده، نقول هذا على الترجيح، ومن حقنا أن نقوله على التوكيد؛ لأن حديث النبي فيه غنى عن التخمين والتأويل، قال عليه السلام: «رأيت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب،
7
Halaman tidak diketahui