Abdul Nasser dan Kiri Mesir
عبد الناصر واليسار المصري
Genre-genre
وأعجب ما في الأمر أن الأستاذ أبو سيف يتصور أنني في عام 1970م فقط حذرت من الارتداد عن الأسس والمبادئ الأولى للطريق الاشتراكي، على حين أنني خرجت عن هذا الخط بمهاجمتي للتجربة الناصرية في عام 1975م مع أن كل ما قلته في دراستي الأخيرة لم يصدر - كما قلت في الدراسة نفسها مرارا - إلا بدافع الحرص على المبادئ الاشتراكية الصحيحة، واعتقادا بأن هذه المبادئ لم تكن هي التي تطبق.
إن الأمثلة كثيرة، ويكفيني أن أقول - دون إطالة - إن كل الاقتباسات التي استشهد بها الأستاذ أبو سيف يمكن أن تفسر لصالح وجهة نظري الأخيرة، وخاصة إذا ما فهمت في ضوء الظرف غير العادي الذي كتبت فيه، وإذا أدركنا أن مضي خمس سنوات، بعد عام 1970م، لا بد أن يفتح أمام الذهن آفاقا جديدة، ويلقي على التجربة السابقة مزيدا من الضوء، ومن المؤكد أن الأستاذ أبو سيف قد اعترف ضمنا، دون أن يدري، بما أطلق عليه بسخرية تعبير «مناقب الدكتور فؤاد زكريا» بدليل أنه لم يجد شيئا يستشهد به في كل ما كتبت على مدى أعوام طويلة سوى مقال كان لا بد في اللحظة التي كتبته فيها، أن تكون لهجته مخففة، لا خوفا من شيء بل احتراما لجلال الموت.
وما دام الأستاذ أبو سيف قد فتح الحديث عن «مناقبي»، فلا بد أنه قرأ في عدد أكتوبر 1970م من مجلة «الفكر المعاصر»، (وهو العدد الذي أشار إليه في نقده مرارا) مقالا آخر لي، كتب قبل وفاة جمال عبد الناصر (التي حدثت في آخر لحظة حيث كان العدد كله معدا للنشر، مما حتم تغيير الغلاف وإضافة مقال «الكل في واحد» في اللحظة الأخيرة). فقد كان طبيعيا ألا يشير إلى هذا المقال بكلمة واحدة؛ لأنه يتضمن تكذيبا قاطعا لما يدعيه عني من «تناقض».
في هذا المقال تحدثت عن بعض سلبيات «اشتراكية العالم الثالث» (ولم يكن القارئ عندئذ يجد أية صعوبة في فهم نوع الاشتراكية التي أعنيها)، فاعتبرت سكوتها عن التفكير الغيبي أو تعايشها معه انتهازية أو نفاقا رخيصا من جانب السلطة الحاكمة، فضلا عن أنه يساعد على إبقاء الجماهير في حالة تخلف معنوي لا يرجى معها أي نهوض حقيقي للمجتمع، وفي مثل هذا الجو العقلي المتناقض يستحيل أن تحقق الاشتراكية إمكانياتها وتقدم إلى المجتمع أفضل ما لديها، بل إن مثل هذه الاشتراكية لا بد أن تكون «جوفاء مبتورة»، ولقد كان من الممكن أن تخف أضرار التفكير الغيبي لو كانت تلك الاشتراكية تقدم للناس «مكاسب واضحة»، أما إذا كانت الاشتراكية مترددة خائرة ، وإذا كانت مكاسبها أمرا مشكوكا فيه على الدوام، فعندئذ تستطيع الخرافة أن تطل برأسها في شماتة ثم تحدثت عن عيب آخر لهذا النوع من الاشتراكية هو أنها مفروضة من أعلى، وليست نابعة عن ثورة شعبية بالمعنى الصحيح، وقلت بالحرف الواحد إننا نجد في هذه الاشتراكية أن «الانحراف في الطبقات الحاكمة أمر مألوف؛ حيث يبدو إغراء السلطة، والافتقار إلى التقاليد الثورية الأصلية عاملا مشجعا على تكوين طبقة جديدة ربما استخدمت الاشتراكية ذاتها أداة لدعم مركزها وصرف أنظار الجماهير عن انحرافاتها.»
هكذا كنت أكتب أثناء حياة جمال عبد الناصر، فكيف كان نقادي يكتبون؟ وهل يعاب علي أن أكتب في العدد التالي مباشرة، وهو المخصص لرثاء جمال عبد الناصر، مقالا أخف لهجة من ذلك الذي كان مفروضا أن يظهر وهو حي؟
ولأنتقل الآن إلى المقال الآخر الذي استشهد به الأستاذ أبو سيف كدليل على تناقضي، وعنوانه «الكل في واحد» فقد استنتج بذكاء شديد أنني لا بد أن أكون كاتبه، إذ قال: «ونفهم من أسلوبه أيضا أن كاتبه هو د. زكريا نفسه.» ثم أخذ يقتبس جملة بعد جملة وهو يردد: «ويقول د. زكريا»، ولكن ما رأي الأستاذ أبو سيف في أن كل من قرأ لي شيئا يعرف أن أسلوبي التقريري المباشر لا يتسم - للأسف - بشيء من شاعرية أسلوب الدكتور مكاوي؟
إنك تعلم أنني كيف أستطيع أن أصنع من هذه السقطة «فضيحة»، وكنت أستطيع أن أكتب في السخرية من استنتاجك ومما بنيته عليه من نتائج، صفحتين على الأقل، تعادلان الصفحتين اللتين شغلتهما من روز اليوسف في هذا الموضوع، ولكني سأكتفي بتقرير الحقيقة وأسكت؛ مراعاة مني لآداب المناقشة، وتمسكا بفضيلة «العفو عند المقدرة».
على أني لا أود أن أترك هذا الموضوع دون أن أوجه عتابا آخر، أشد في هذه المرة، لكاتب العناوين في روز اليوسف، فقد وضع على صدر مقالة الأستاذ أبو سيف، وبالخط العريض، ثلاث عبارات ذكر أنني قلتها في سنة 1970م، وأنها تناقض ما أقوله الآن في سنة 1975م، ومن بين هذه العبارات الثلاث عبارتان لم أكن أنا قائلهما على الإطلاق، الأولى جاءت في كلمة الدكتور عبد الغفار مكاوي، وهي «عبد الناصر ترك لنا إرادة الصمود والإصرار على الانتصار»، والثانية مأخوذة من كلام الأستاذ أبو سيف نفسه، وتعبر عن رأيه الخاص، وهي «إنجازات يوليو ديموقراطية أساسا وبعضها كبير جذري» أما العبارة الثالثة والخاصة بالشعارات الاشتراكية، فهي وحدها التي قلتها، وقد شرحت دلالتها من قبل.
وإذا كان الخطأ الذي وقع فيه كاتب العناوين في العبارة الأولى غير مقصود؛ لأنه ساير الأستاذ أبو سيف في اعتقاده أن ما كتبه الدكتور مكاوي منسوب إلي، فإن الخطأ في العبارة الثانية لا بد أن يكون مقصودا، ومن واجب كاتب العناوين أن يعتذر، إن لم يكن لي، فعلى الأقل لقرائه الذين ضللهم.
وأخيرا، فإن الأستاذ محمد عودة قد كتب في نقدي مقالا طويلا بدا لي في معظمه أشبه بمنشورات الدعاية التي كانت توزعها هيئات الإعلام الرسمية في عهد التجربة الناصرية، وقد لفت نظري في هذا المقال أنه سار إلى أبعد مدى في ممارسة أسلوب، هو في نظري، أقرب إلى الإرهاب الفكري، حين خوفني من نقد التجربة الناصرية لأن اليمين يكرر نفس الانتقادات ...
Halaman tidak diketahui