أما نتيجة ذلك فإن النفوس ضعفت عن حمل عبء المجد وتمردت على العلم والحياة الحقة وانفصلت منهن انفصالا كليا واستقلت عنهن استقلالا تاما وانفردت بنفسها فسطا عليها ذئب الراحة والخلاعة والمجون والجبن فاستعبدها فتنازلت عن كل مكرمة وسقطت من عليائها وانسلت الغيرة من القلوب كما تنسل الشعرة من العجين فبقي الجو صاف للرذيلة والجهل فعششا وفرخا وتم لهما ما يريدان وما يريده الهوى والشيطان . فحق حينئذ على غراب الخراب أن ينعق فوق ربوع كانت جنة الدنيا وفردوسها الجميل فأصبحت واحسرتاه بلقعا يبابا. فويل للفضيلة من الجهل وويل للشرف من الرذيلة.
إني لتعروني هزة وينفطر قلبي وينشق كبدي وأغيب عن رشدي وأحس بألم شديد يدب بين جوانبي دبيب الموت في الحياة كلما خلوت بنفسي ونظرت إلى حالتنا الحاضرة وتفكرت فيما سنصير إليه إن نحن دمنا في هته السيرة البطيئة المخجلة وكلما قارنت بيننا وبين أجدادنا الفاتحين النبلاء وتأملت في أعمالهم الذهبية التي خلدت مجدا عاطرا في بطون التواريخ وما آل إليه أمرنا من ذل ومسكنة . وكلما أرسلت طرفي إلى شبابنا وكهولنا وشيوخنا فرجعت خائبا من كل أمل ورجاء لما تشاهد من عدم الشعور بالنقص والألم والاسترسال مع الغي والموت الحقيقي.وكلما رأيت تخاذلنا وتفرقنا وأكل وجوه بعضنا بعضا كالوحوش الضارية وانشقاق عصا وحدتنا وقوميتنا فلا رئيس ولا مرؤوس ولا آمر ولا مأمور كأن لا صلة تجمعنا ولا دين يقودنا أتحسر كثيرا لهته الذكريات المؤلمة فأتمنى أن لوكنت نسيا منسيا لا علي ولا لي أسبح في محيط اللانهاية حيث تجد النفس لذتها وراحتها الأبدية فلا يزعجها مزعج ولا يؤلمها مؤلم .
Halaman 4