اقتاده الكهل إلى فندق قضى فيه ليلته أسفل لحاف منتفخ. وفي الصباح صحبه لشراء معطف صوفي ثقيل وحذاء مبطن بالفراء وقفاز جلدي ولفاعة صوفية، ثم غطاء للرأس على الطراز الروسي. وعندما اكتمل تسليحه لمواجهة الجليد، نقله إلى غرفة مفروشة بلحاف منتفخ في شارع
كارل ماركس ألليه . وهو شارع من البواكي والبنايات التي أقيمت على الطراز
الستاليني
في كل عاصمة من
أوروبا
الشرقية، بعد أن حررها الجيش الأحمر من النازيين؛ ولهذا صار من أهم الشوارع الرئيسة في المدينة.
كانت الغرفة بمسكن أحد العاملين في الحكومة مع زوجته وابنته. ولا بد أنه كان عضوا بالحزب الحاكم أو بأجهزته الأمنية، وإلا ما فاز بهذه الشقة وعهد إليه بإيواء الأجنبي.
حانت الفرصة الثقافية على الفور؛ فالبنت تتمتع بكافة المواصفات؛ طويلة رشيقة شقراء، بعينين زرقاوين ووجه مليح. التقاها لأول مرة في الصباح عند تناول الإفطار مع الأسرة في المطبخ . وكانت تعلم أنه لا يعرف الألمانية فحيته بالإنجليزية. لكن محصولها من هذه اللغة لم يسمح بالحوار معها. ولم تكد تنهي إفطارها على عجل حتى خرجت إلى عملها. ولم يتح له أن يراها ثانية في هذا اليوم ولا في الأيام التالية مباشرة.
لكنه وجد تعويضا في الوكالة نفسها؛ فعندما دخل صالة تحرير الأقسام الأجنبية لأول مرة وجد نفسه وسط العديد من صاحبات الشعر الأشقر، بل والأسود أيضا اللاتي تطلعن إليه في فضول. وكان القسم العربي في نهاية الصالة يفصله جدار رقيق من الخشب عن بقية الأقسام. وبه ممثلتان للثقافة، إحداهما شقراء باسمة الوجه (تعرج قليلا)، والثانية بضة ممتلئة بشعر أسود، والاثنتان جالستان أمام جهازي
تليبرينتر ، تستقبلان الأخبار بالإنجليزية والألمانية، وترسلانها بالعربية التي لا تعرفانها!
Halaman tidak diketahui