فطلب له القهوة وهو يتساءل: ما لك، كفى الله الشر؟
وأعاد على سمعه ما قال الطبيب فلم يبد عليه أنه اهتز أقل اهتزاز لكلمة «الجراحة»، وقال ببساطة: سليمة بإذن الله، والنساء يلدن من عهد حواء، فلا تخف. - المسكينة تتألم بدرجة فظيعة، ويقولون إن الجراحة خطيرة.
فتناول الرجل شوية فول سوداني من طبق فنجال ممتلئ، وهو يدعوه إلى مشاركته، ثم قال: إشاعات يروجها الأطباء ليبرروا مطالبهم، المطالب هي الخطيرة حقا.
وضحك لذكرى وردت للمناسبة، وقال قبل أن يفتح صقر فاه: عند مولد ابني إسماعيل أتعلم ماذا حدث؟
حنق صقر على مولد إسماعيل الذي اقتحم عليه عذابه، وأجل عزاءه المأمول لوقت لا يعرف مداه! - ولدته أمه في ثماني عشرة ساعة! جاءها الطلق الساعة السادسة صباحا وأدركها الفرج عند منتصف الليل! أي عذاب تتخيله؟ ومع ذلك كله فقد ولدت في البيت وبوساطة حكيمة لا دكتور ولا دياولو.
فهز صقر رأسه كأنما يتذوق عبرة حقيقية، ثم تساءل: لكن ماذا تعرف عن جراحة الولادة؟ - تهويش أطباء، هذا مدى علمي، هل عندها ضغط أو زلال أو سكر؟ - كلا. - إذن فهي لا شيء، وقد قالوا لنا عند مولد ابنتي عزيزة إنه لا بد من جراحة! لماذا؟ الحكاية أن الولادة طالت أكثر من المتوقع فاستعانت الحكيمة بدكتور؛ فنصح بنقلها إلى المستشفى لإجراء جراحة عاجلة، وقبل أن يبتعد مترا عن بيتنا جاء الفرج.
تابعه بنظرة مغيظة وهو يطحن الفول السوداني بتلذذ عجيب، وإذا به يقول مسترسلا في ذكرياته: الولادة العسيرة حقا كانت ولادة سوسن ابنة أختي.
نظر صقر إلى الأرض؛ ليخفي كربه فواصل الآخر حديثه: كانت ضعيفة القلب، وأجمعوا على إجراء جراحة، واستكتبوا زوجها إقرارا بالموافقة، وشقوا بطن البنت. - شقوا البطن؟
فضحك جميل قائلا: هي الآن بفضل الله كمفتشات الرياضة البدنية.
وخيل إليه أنه سيدخل في حديث ولادة أخرى؛ فقام إلى التليفون، وسأل عن الحال فجاءه الجواب بأنها نائمة في هدوء تام. وعاد إلى مجلسه كارها، فقال له جميل: يجب أن تعود إلى المسرح، أنا لا أحب السينما، وإن شئت فاعمل في الاثنين، ولكن لا تنقطع للسينما.
Halaman tidak diketahui