وتأوهت المرأة تأوهات متقطعة، فقال الطبيب معاتبا: لا .. لا، ليس هذا ما أريد، الست هي التي تولد نفسها.
ومال الأستاذ صقر فوق أذنها هامسا: شيئا من التعب يا عزيزتي؛ كي يجيء ربنا بالفرج.
فقال الدكتور ضاحكا: أطيعي كلام هذا الرجل المسئول، (ثم ملتفتا نحوه) لم أعرف أنها كانت زميلة لك في المسرح إلا عن طريق إحدى المجلات، أما أنا فلم أرك في المسرح، ولم أرها كذلك لأنني لست من رواد المسرح.
ثم بعد هنيهة صمت: أنت لست معي!
فانتبه صقر قائلا وقد تكاثف عذابه: معك يا دكتور. - خبرني ما أحب أدوارك إليك؟
رباه إنها لا تجد قوة للطلق، ولكن ينبغي أن يكون الخطر بعيدا، وإلا ما استرسل الدكتور الذي لا يرحم في استجوابه: ماذا قلت! أحب الأدوار إليك؟! - لعله دور العسكري! - تعني فيلم حريقة بلا نار؟ .. لا .. لا.
وانفجر صراخ من الأعماق، تصاعد حارا مليئا، كأنما يقذف بفتات الصدر والحلق. واستحثها الطبيب على المزيد، وهو يتركز في حركة يده الآخذة في السرعة. وأعقب ذلك تأوه عريض مرتفع ما لبث أن هبط إلى درجة الأنين ثم انداح في الصمت، ونقل صقر بصره من الوجه الأزرق المغبر إلى الساقين إلى وجه الطبيب، وتساءل ترى أهو الختام المريح؟ واقترب طبيب القلب فجس النبض، أما المولد فتراجع خطوة ثم خلع معطفه والقفاز، ودار حول السرير، حتى وقف أمامه باسما. همس صقر: الحمد لله. - الحمد لله دائما .. تعال.
ومضى إلى حجرة داخلية فتبعه، وهناك قال الطبيب: ضاعت الجولة هباء، ولن يعاودها الطلق قبل أربع ساعات على الأقل.
ثم وهو يهز رأسه: وإذا لم تتيسر الولادة بحال طبيعية؛ فلا بد من جراحة. - جراحة؟! - لم لا؟ القلب سليم، وليس بها أمراض، ألم أنصحك آخر مرة بتجنب الحمل؟
بهت صقر. ومضى إلى الصالون، فجلس بين أعضاء الأسرة التي تلقت الخبر بانزعاج حقيقي. وذهبوا إلى حجرة الزوجة، فوجدوها تغط في نوم عميق، فعادوا إلى مجلسهم. وضاق صقر بالجلسة وشعر بحاجة ملحة إلى الحركة. استقل سيارته الدودج إلى قهوة الشمس، قهوة الزملاء، وإن لم يأمل في العثور على أحدهم في تلك الساعة من الصباح. وعند مدخل القهوة ناداه صوت قوي فمضى إلى صاحبه، وجلس إلى جانبه في الممر المكشوف تحت سماء مجللة بسحب الخريف. تربع جميل الزيادي في مجلسه تحوطه هالة من الفخامة مصدرها بدانته المتناسقة، وهو زميل قديم لصقر من عهد المدرسة الابتدائية، أما اليوم فهو من الأعيان وعشاق المسرح. وكان صقر في حاجة حقيقية إلى المشاركة الوجدانية فقال: اطلب لي فنجال قهوة؛ فإني في حالة إغماء.
Halaman tidak diketahui