Beirut dan Lubnan Sejak Satu Setengah Abad
بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن
Genre-genre
وإذ كنت رأيت في الجزائر بعض المسلمين الذين لا تردعهم وساوسهم من اقتناء علب تبغ نقشت عليها تصاوير جميلة جدا، بحثت عن الأسباب التي تحرم عند البعض ما يحلله البعض الآخر، فأنبأني أحد الأفندية أن التماثيل الكاملة التي تمثل الأشخاص كما لو كانت في حالتها الطبيعية هي وحدها الممنوعة؛ ومن ثم فلا حرج عليهم - عند الضرورة - اقتناء تصاوير رجال ونساء شرط أن تكون نصفية. وهذه الصور إذا ما أوقفت عند هذا الحد لا تمثل أجسادا يمكنها الحياة، وأما التماثيل الكاملة فاقتناؤها جسارة تتنافى والحشمة، وهي مشجوبة على الغالب.
وهكذا فإن فخر الدين الدرزي - المتظاهر بالإسلام - قد استطاع أن يوفق بين أمياله وأوهام بلاده التي لم يشأ أن يصطدم بها.
ويقال إن هذا الأمير أفرط في البذخ؛ فكانت له جنينة تجمع غرائب الحيوان، وإن الأقبية المعقودة، الموازية للقصر، التي لم تمس واجهتها حتى عام 1838 كانت تستخدم لإيوائها. إلا أنه يرجح أيضا أنها كانت إصطبلا.
اقتضى - بسبب انحدار الأرض وميلها - أن تكنون جنائن الأمير متعددة الأشكال؛ كان يحدها من الجهة الجنوبية الشرقية برج الكشاف وسلالمه الجميلة التي شوهدت بقاياها عام 1808، والتي تدل على أن الأمير غالبا ما كان يزور البرج. أما المنظر من أعالي هذا البرج فهو بديع جدا.
إن سهول بيروت مغروسة كلها أشجار توت أبيض. وهذه هي الشجرة الوحيدة التي تنمو في التربة الرملية الجافة. وهذا ما دعا إلى الاعتناء بها بصورة خاصة؛ إذ إن أغصانها تنمو خلال سنة واحدة.
ولهذه الغاية يقطعون جميع أغصانها في شهر أيار، حتى إذا ما نبتت أغصانها مجددا في إبان الصيف انتزعت في الخريف أوراقها وكانت علفا للمواشي، تم تتفتق براعمها في مطلع الربيع ويبلغ نموها في أيار أشده، فتكون طعاما لدود القز الذي ترتكز الصناعة الأساسية عند البيروتيين على ما ينتجه من الحرير.
بنيت - بادئ ذي بدء - بضعة أكواخ في ضواحي المدينة لتربية دود الحرير. وعندما ابتدأ ساكنوها يمنون أنفسهم بقليل من الاطمئنان دفعتهم ثقتهم بالسلام إلى تشييد بنايات أكثر رحابة، وقد أصبحت البيوت التي تشاهد اليوم هناك أجمل بيوت الضاحية، أما تلك الأخصاص فلا يرجع عهدها إلى أكثر من ثلاثين سنة.
ثم أخذ المسلمون ينافسون المسيحيين حتى لم يعد يرى سوى القليلين من السكان الذين لم يشتروا ولو بضعة أمتار من الأرض لتشييد برج «كذا» عليها.
يجب أن نبتلى بحرارة المدينة لنقدر الطراوة القليلة التي ينشدها البيروتيون في هذه البساتين، هذه البرودة التي تهب عليها تارة من البحر، وحينا من جبال لبنان فتدفعها جدران محمومة ملتهبة. إن هذه الجدران مبنية بحجارة رملية، وهي بطبيعتها تنقل بوقت واحد الحرارة والرطوبة؛ وهذا ما يجعل بيوت المدينة غير ملائمة في الفصلين القاسيين. إنها أتاتين حقيقية في الصيف.
قلما نجد في بساتين بيروت أشجارا مثمرة. لم يحل جفاف التربة وحده دون ذلك، بل هنالك سبب أهم وهو تقسيم الأرض فيما بينهم. إنهم يضيقون بهذه القسمة على بيوتهم؛ فلا يكون لكل شخص طريق تؤدي به إلى منزله، ومن لا يملك طريقا كيف يملك جنينة؟!
Halaman tidak diketahui