ألقيت الأمر لعم مرسي بهدوء حاسم، وسكت أنتظر التنفيذ، وأنا فاتح عيني مغمض بصري لا أرى أحدا ولا أسمع شيئا، ولا أعبأ أبدا للأيدي التي تشوح والأصوات التي بدأت تعلو وتحتج.
واستغرق إخلاء الحجرة ربع ساعة بأسرها.
ثم أمرت بإغلاق الباب.
واستغرق إغلاق الباب مجرد دفع المتزاحمين في فتحته عدة سنتيمترات إلى الوراء وإغلاقه، استغرق عشر دقائق.
ورفعت سماعة التليفون وطلبت من العامل إيصالي بمدير الورش، وكنت أعرف سلفا أن العامل سيستمع للمحادثة ثم ينقلها إلى العمال كلمة كلمة؛ فهو عامل مثلهم، والتومرجي الواقف على الباب عامل، وكاتب القسم الطبي عامل، وأنت وحدك في وسط هذه الكتلة العمالية المتصلة المتداخلة التي لا تخفى عليها خافية. وحياني المدير بفتور وسألني عن الصحة والمزاج، ومن أول كلمة شعرت أنه يعتبر نفسه خارج المشكلة تماما؛ إذ كان يشغل وظيفة كبيرة في الوزارة ثم غضبوا عليه وجاءوا به مديرا للورش، وأن يتعطل العمل في الورشة شيء لا يهمه بالمرة طالما هو ليس مسئولا عن التعطيل، قال ببراءة: إحنا ما نقدرش نعمل حاجة يا دكتور، أي عامل يحب يبلغ أنه عيان نديله أرنيك، وحضرتك تشوف إذا كان عيان تديله إجازة، ما كانشي ترجعه الشغل. - بس إذا رجع الشغل يبقى متمارض وبيعاقب وبيتخصم منه أيام، ودي تنفع في عامل واحد أو اثنين، أنا أعمل إيه في ألفين أو ثلاثة آلاف؟ - والله يا دكتور أنا آسف، ما أقدرش أعمل حاجة.
وقبل أن تنتهي المحادثة أحسست أنها قد أذيعت بالنص في السويتش، وأن أخبارها وصلت إلى المتجمهرين في الخارج؛ فقد بدأت أسمع قهقهات.
وقلت لعامل التليفون: إديني مدير القسم الطبي.
وشرحت لرئيسي المشكلة، فقال بحسم: اللي عيان اديله أجازة، واللي مش عيان ما تديلوش.
قلت: كلهم مش عيانين.
قال: خلاص ما تدلهمش.
Halaman tidak diketahui