وتململنا، وهممنا أن ننطق. ولكن الخالة تمعنت فينا وسألتنا: إنتو صحيح فدائية يا بني؟
فقلنا: أمال ح نكون إيه يا خالة.
وتركت الحديث ووضعت يدها برفق على كتف حلمي وقالت: ما تحطش إيدك ع الجرح يا ضنايا لحسن وحش.
وأنزل حلمي يده بعد تردد واختطف سيجارة من واحد منا وسألها: وانتي رايحة ليه يا ست؟
ولم تجب. ولمحنا دموعا تهطل على الفور من عينيها دون بكاء واستغربنا، وأعاد حلمي السؤال فقالت: رايحة أشوف ابني.
ولم تنطق «ابني» حروفا كانت دموعها أكثر من الحروف وهي تنطقها. - ابنك ما له؟
وأجابت: ابني يا خويا هناك. - بيعمل إيه؟ - مجروح .. مجروح يا ضنايا وما شفتوش بقالي شهر.
واندفعت تبكي. وشل بكاؤها ألسنتنا. ولكن حلمي ألح: مجروح ازاي؟
ومضت تتكلم وتبكي وتبكي وتتكلم: جتله رصاصتين في رجليه .. إلهي ينتقم منهم البعدا. - ليه؟ - كان بيحارب في الهوجة ساعة ما نزلوا. - كان بيحارب؟!
قلناها كلنا مبهورين. وكأننا نردد أمنية غالية، وكأننا نطلق دعوة. ولم تكن أمنيتنا وحدنا. كل من قابلناه كان يرددها. وقليلون هم من أتيحت لهم الفرصة. فالمعركة كانت حادة وباترة، نشبت فجأة، وانتهت فجأة، ولم تستمر سوى أسبوع، وكأنها طعنة خنجر، حتى أصبح في نظرنا البطل هو من كان هناك والمقدس هو من اشترك فيها، أصبح كل من اشترك فيها يحف به في نفوسنا نوع من التقديس وكأنه أسطورة، وكأنه كائن غير موجود، فإذا بالخالة ابنها قد حارب وجرح. وقلنا لها: وزعلانة ليه؟ ابنك بطل. - عايزة أشوفه. - دي إصابته بسيطة وما لك نازلة بكا عليه يا ستي؟ - بقا لي زمان ما شفتوش .. مشتاقاله وجيت مرة المطرية قبل كده. وركبت القارب ووصلنا هناك .. والإنجليز حاشونا ثلاثة أيام وكان الرصاص زي الناموس فوق رءوسنا. وبعدين رجعونا .. ودي تاني مرة .. ح نوصل امتى يا أخويا .. إلهي يخليك. عايزة أشوفه. مش قربنا؟
Halaman tidak diketahui