Laut Mediterranean: Takdir Laut
البحر المتوسط: مصاير بحر
Genre-genre
وهنا، وفي كل مكان، حتى بين أفجع الارتباكات، يعرض تاريخ الأغارقة من الأحوال ذات اليمن ما يلقي نورا على ذوي العبقرية من الناس، كما يعرض من الأوقات المشرقة ما يوكد به فضل الآلهة. وينسى علماء الاقتصاد، الذين يعزون، مختارين، مصاير الأمم إلى نعم الطبيعة، أن البيئة المادية التي يعظم فيها الشعب أو الرجل تتأثر برعاية موجودات علوية أو لغتها. وما كانت إحصاءات تصدير الزيتون أو الفحم لتدل على سجية جماعة إلا عند استقرار أناس قادرين على هذا العمل الخاص بأرض مشتملة على هذا الفحم أو تغذي شجر ذلك الزيتون، وسواء أسيق أولئك الناس عن ذكاء أم مصادفة يظل أمر واحد باقيا، وهو أنهم سيقوا إلى هنالك. وفي الأمثال التركية؛ أي أمثال البحر المتوسط، أن الرجل القدير ذو حظ مستمر، ولكن هذا لا يعبر عن غير نصف الحقيقة، وأما نصفها الآخر ففي كون الرجل ذي الحظ ينم على قدرته المستمرة.
ووجد الأغارقة، الذين كانوا من ذوي الحظ والقرائح معا، في كل مكان كانت أسفارهم وتجارتهم تدفعانهم فيه إلى تأسيس مستعمرات جديدة، أصلح الأحوال للملاحة، كرأس ومرفأين أو ثلاثة مرافئ مختلفة اتجاها. وفي أقريطش كان يبرز رأس للأمام ونحو الغرب، وقل مثل هذا عن رودس وملطية، وهنالك، حيث كان اشتباك الطرق الآتية من الشرق والغرب يتطلب مركزا، قامت كورنث الواقعة في محلها الراهن المثالي. والواقع أن شبه الجزيرة مانعة لكل تجارة، وذلك لوجوب نقل المراكب الحربية من البرزخ، وكان من الممكن إنشاء قناة كما رئي منذ القرن الخامس، ولم يحل دون ذلك غير غيرة كورنث التي كانت تدافع عن نفسها بما عندها من بحرية حربية. وفي ذلك الحين كانت جماعة قوية تعترض وحدها دون وضع نظم، كنظام جمعية الأمم الحاضرة، يمكن أن تكون نافعة للجميع.
ولكن الأغارقة كانوا يبدون ماهرين كلما اقتتلوا. وقد أنشأ الأغارقة في مركز جميع الأرخبيل: دلوس، وذلك منذ القرن الثامن، أول محطة للبضائع في العالم الغربي طولها ثمانون مترا وعرضها ثمانية أمتار، فضلا عن معبد لهم وعن سوق المعبد الدنيا، وقد اتخذت الحصباء والحجارة غير المهندمة مواد تملئة. وكانت السفن تربط هنالك فلا تجر على الرمل كما في الماضي، وقد بني رصيف من حجارة ضخمة طوله 280 مترا وعرضه خمسة أمتار يبدأ حيث يكون الشاطئ الوعر سيفا
99
رمليا.
وفي دلوس وضعت معشوقة زوس أبولون وأرتميس ما كانت الجزيرة تعوم وفق هوى البحر فتفلتت من لعنة هيرا، وقد أقيم على أكثر الجزائر عدم رسوخ أول مرفأ أعد للخلود ما دام يرى حتى اليوم. وكان أغارقة الأدوار القادمة يعدون من عمل الآلهة رصيف ذلك المرفأ القوي الذي وضع المهندسون الأولون مشروعه، واليوم يحاول رفع القناع عن أعمال الآلهة لتعزى إلى فن المهندسين.
وأنشئت في القرن السادس أرصفة على ذلك الطراز لتتخذ متاريس للمدن، وما أنشئ من أحواض للموانئ التي حفرت على ذلك الوجه داخل أسوار المدن كما في ساموس، وما جهزت به من مظال خشبية للمراكب، دام حتى عصر النهضة وفق تصاميم وضعها الأغارقة الأولون. وهكذا ذاعت شهرتهم البحرية في جميع أنحاء البحر المتوسط، ذاعت في البسفور الذي اكتشفه الأرغنوت، ومن الأرخبيل الذي سموه «البحر المسيطر»، إلى ما وراء جبل طارق. وقد انتقلوا من التجارة إلى الصناعة؛ وذلك لأن معظم المعادن كان يوجد في الجبال المجاورة، وكان الحديد الخام يوجد في سورية وفي بر اليونان، والنحاس في قبرس وآسية الصغرى، والقصدير في جنوب إيطالية وإسبانية، وكان يوجد في الجزائر الإيجية ذهب ورصاص خام مشتمل على فضة وزئبق أيضا، وكان جميع هذه المعادن يستخرج بصناعة زاهرة لم تأخذ في الانحطاط إلا في القرون الوسطى. وكان الأغارقة يحبكون النسائج في ملطية، ويصنعون الخزف في كورنث، ويعنون بالأعمال المعدنية في خالكي، وهم في الوقت نفسه كانوا يبتاعون عددا كبيرا من العبيد الذين سنت قبل الميلاد بخمسمائة سنة قوانين لتقييد الاتجار بهم، ولكن مع قليل نجاح كما هو الأمر في إثيوبية في الوقت الحاضر.
ولما تقدمت تجارتهم صاروا يضربون نقودا، وجاء دور القروض فور ضرب النقود، وظهر الربا مع الديون، فبلغ ما كان الدائنون يأخذونه منه ثلاثين في المائة بسبب مخاطر الملاحة.
وكان تجار المدن البحرية ومرابوها في ذلك الدور يتمتعون بحياة ناعمة على حين يجب على الفلاح أن يبيع حريته وحرية أسرته. وكانت قوانين سلون تشتمل على عبارة محكمة تهدف إلى إلغاء كل دين عام وخاص، وكانت تنصب أعمدة حجرية في وسط الحقول فتكشف لكل مار عن ديون الفلاح، وقد يجب علينا أن نجدد هذه الكتابات على جدر البنوك حتى نظهر للزائرين ما يستتر وراء المقدمات العظيمة من الحقائق.
13
Halaman tidak diketahui