ومنذ قيام دولة المماليك وسلاطينها يظهرون إهتماما خاصا بالحجاز، لم يقتصر على العناية بعمارة الحرم النبوي وإرسال الكسوة إلى الكعبة المشرفة فحسب، وإنما امتدت عناية المماليك إلى بسط نفوذهم السياسي على الحجاز لأهميته الدينية والسياسية والتجارية (^١)، فهو - الحجاز - مهوى أفئدة المسلمين في كل مكان، حيث هناك بيت الله الحرام، ومهبط الوحي، ومنطلق الدعوة، ومدينة الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهذا ما جعل لدولة المماليك مكانة خاصة في سائر بلاد المسلمين، إضافة إلى لفها خلفاء بني العباس وأبنائهم، وإعادة الخلافة بعد سقوطها.
هذا بالنسبة إلى تبعية الحجاز العامة، أو دعاء الخطباء في الجمع والأعياد، أما بالنسبة إلى السلطة الفعلية فقد كانت بيد أسر، تنتسب إلى الحسن أو الحسين أبناء علي بن أبي طالب ﵃، وتعد نفسها عمالا لأصحاب السلطة في القاهرة (^٢).
والواقع أن الخلافات بين أشراف الحجاز أنفسهم هي التي أتاحت للسلطان بيبرس تحقيق هدفه في الحجاز، ذلك أنه قدم إلى مصر الشريف بدر الدين مالك بن منيف ليشكو عمه جماز بن شيحة (^٣) أمير المدينة، الذي حرمه نصيبه في نصف إمرتها إلى السلطان بيبرس سنة ٦٦٥ هـ، فقلده السلطان نصف إمرة المدينة، وأرسل إلى عمه يعلمه بذلك، فامتثل لأمر
_________
(^١) انظر: المقريزي: السلوك ١/ ٤٤٥،٥٠٤،٥١٢، سعيد عاشور: العصر المماليكي ص ٢٣٨.
(^٢) انظر: محمود شاكر: التاريخ الإسلامي، العهد المملوكي ص ٩٧.
(^٣) جماز بن شيحة بن هاشم، عز الدين، أبو سند الحسيني، أمير المدينة المنورة، وليها بعد موت أخيه منيف سنة ست وخمسين وستمائة، ثم انتزعها منه ابن أخيه مالك بن منيف في سنة ٦٦٥ هـ، ثم رجعت إليه في سنة سبعمائة، فوليها إلى أن مات في سنة ٧٠٤ هـ.
انظر: السخاوي: التحفة اللطيفة ١/ ٢٤٤.
1 / 47