فأما قوله تعالى: {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون}(3) فالمقصود: وما على الذين يتقون الله تعالى في امتثال ما غلبهم من حسابهم من شيء، يعني تعالى حساب الظالمين الذي يختصون به وهو توبيخهم وتخليدهم في النار جزاء على ظلمهم فليس على الذين يتقون من ذلك الذي يختص بهم من شيء لو قعدوا معهم غير راضين بأفعالهم ولم يقدروا على نهيهم، وهو يمكن المتقين اعتزالهم إمكان قدرة على الاعتزال ولكن فرضنا عليهم ألا يقعدوا معهم {ذكرى لعلهم يتقون} يعني تعالى: لعل المعتزلين للظالمين يكونوا أتقياء أبرارا بتكميل الإيمان بما فرضنا عليهم من اعتزال الظالمين، فلو لم يعتزلهم الذين يتقون بفعل الواجبات واجتناب المقبحات لم يكونوا متقين على الإطلاق في جميع الأمور المفروضة بل يكونون مخلين بما هو من أكبر الفرائض من اعتزال الظلمة فيكونون مثلهم، وإن فعلوا باقي أمور التقوى لقوله تعالى: {إنكم إذا مثلهم}، وإنما تأولناها بهذا التأويل وهو أيضا ظاهر فيها لقوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا [62ب] معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم}(1) ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرق حتى تغير أو تنتقل))(2)، وفي رواية: ((ويل لعين ترى الله يعصى فتطرق حتى تغير أو تنتقل))(3) فإذا لم يرى المنكر ولا سمعه ولا منعه من طاعة الله تعالى فلم يقعد معهم وقد انتقل عن مجالستهم ولو كان بيته بين مساكنهم إذا لم يمكنه إلا بحيلة من الحيل كما ذكرنا أولا.
فصل
فإن خشي من الانتقال الفقر لعدم ماله الذي لم يمكنه نقله في بلد قوم مؤمنين أو شوكتهم محقون ولو كان أكثر أهلها فاسقين لم يكن ذلك عذرا له لقوله تعالى: {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء}(4).
Halaman 312