قلنا: يحكمون بما فيها أي: بشيء من شرائعهم يطابق ما فيها في بعض الأشياء دون بعض، فذلك حكم بما فيها بوحي جديد يطابقها في حكم من الأحكام، [32ب] كما أن ذلك معلوم من سياق سبب نزول الآية؛ لأنهم لما زنى رجل ذو قرابة من ملكهم، وكان في التوراة الرجم للزاني المحصن ولم يقدروا لحيائهم من ذلك أن يقيموا عليه الرجم رأوا أنهم يفحموه ويعزروه عوض الرجم، ثم بعد ذلك زنا رجل آخر بامرأة محصنين من العامة فأراد الملك أن يقيم عليهما الرجم فقال أهلهما: لا، حتى تقيم الحد على صاحبكم، فقالوا: سيروا بنا إلى هذا النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإن في شريعته تخفيفا، فلعله لا يحكم بالرجم، فيكون حكمه عذرا لنا عند الله لنقول: قد أخذنا بحكم نبي من أنبيائك، فلما عرفوا ذلك سألهم عما في التوراة على الزاني المحصن ليعرفهم أن الشريعة متطابقة في ذلك، فرأوا التخفيف عنها إلا شابا هو عبد الله بن صوريا وكان إلى جنبه صلى الله عليه وآله وسلم فقال الشاب: إنا نجد فيها الرجم للزاني المحصن فحكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهما بالرجم وأخبرهم أن الحكم عنده فيه في شريعته وفي التوراة سواء من غير زيادة، فكأنه حكم بما فيها لأنه قد عرف من قبل سؤالهم أن الحكم الرجم بشريعته صلى الله عليه وآله وسلم وبالوحي إليه، ولذلك قال علي عليه السلام في قصة التي رجمها: "رجمتها بسنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم" ولم يقل بما في التوراة، ولقوله تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}(1) فوجب الجمع بينهما -أعني الآيتين- لأنهما محكمتان معا ولم يمكن إلا بالتأويل ولعدم إمكان التخصيص.
فصل [
Halaman 156