فأخرج فؤاد من جيبه منديلا مسح به عرقه.
وقال هادئا: أكمل شهادتك.
فتلفت الرجل حوله مرة أخرى في شيء من الفزع ثم قال: ومع ذلك فقد رأى الخولي ذلك العجل عند قوية.
فغص فؤاد بريقه وهو يقول في شبه صيحة: قوية!
فقال الرجل محملقا في وقاحة: نعم، قوية.
وتصبب جبين فؤاد عرقا، وكان يوما دافئا من أيام الربيع، فأخرج منديله يمسح به وجهه وقال متلفتا حوله: افتحوا هذه النافذة، وأين الخولي؟
وجاء الخولي بعد حين، فقال فؤاد مبادرا: قص علي ما رأيت.
فتكلم الرجل غير متعثر كأنها قطعة أخرى يحفظها، كان يمر اتفاقا عند طرف الكوم في طريقه إلى العزبة، فرأى عند قوية عجلا جديدا لم يره عنده من قبل، وهز رأسه عند ذلك متهكما ثم قال: وليس من العجيب أن نجد عنده عجلا جديدا، فتأملته فإذا هو العجل الذي سرق من العزبة، ولكني خشيت أن أتعرض لقوية أو أسأله عن شيء خوفا من بطشه.
وحملق في وجه فؤاد حينا بنظرة كالحة ثم أطرق، وكان وقع هذه الشهادة على فؤاد شديدا، فقام يسير في البهو، وأحس الدم يصعد إلى وجهه، أيقول الرجل: إنه خشي بطش قوية؟ أقد تغير الفتى في هذه السنين القلائل كل هذا التغير أم أن الأمر كله ينطوي على مؤامرة خبيثة؟
وكان الرجل الشاهد يختلس نظرات إلى وجه فؤاد كأنه يتأهب لأول بادرة منه، ولم يكن فؤاد ليعبأ به وهو وكيل نيابة يحلق فوق نظرات أمثاله، ولكنه أحس لتلك النظرات الخبيثة وقعا كأنهما عينا أفعى تبرقان نحوه، ودب إلى قلبه شيء يشبه الرعب؛ خشية أن يكون ذلك الرجل قد رآه يوم زيارته لقوية، أو سمع بتلك الزيارة، أو يكون غيره قد لمحه عنده فأخبره، وماذا يكون موقفه منه إذا هو قال له في وقاحة: «لقد كنت منذ أيام تنزل ضيفا على قوية»؟
Halaman tidak diketahui