Kertas-Kertas Hidupku (Bahagian Pertama)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
Genre-genre
منذ الاحتلال البريطاني عام 1882م بدأت المدارس الإنجليزية الخاصة تنتشر في مصر، بعضها مدارس الإرسالية، وبعضها مدارس عادية تابعة النظام المصري، لا تخضع لتفتيش الحكومة، الإجازة فيها يوما السبت والأحد (بدلا من يوم الجمعة)، يدرس الدين الإسلامي واللغة العربية مثل المدارس الحكومية، بالإضافة إلى تدريس الدين المسيحي لأطفال الأقباط، والدين اليهودي لأطفال اليهود.
كانت منوف «مركزا» بلدة صغيرة، لا هي قرية مثل كفر طحلة، ولا هي مدينة مثل القاهرة أو الإسكندرية، تقع على خط سكة حديد شبين الكوم، القطارات السريعة لا تقف عندها، أغلبها حقول ومزارعون، فيها بعض المصانع، أشهرها مصانع الدخان والسجائر، تملكها عائلة الدفراوي، اشتهر منها بعض رجال السياسة والأحزاب؛ منهم صبري أبو علم في عهد النحاس باشا، ولبيب شقير أصبح رئيسا لمجلس الشعب في عهد جمال عبد الناصر. شارع الكنيسة من الشوارع الكبيرة، يسكنه عدد من العائلات القبطية، في نهايته كنيسة ضخمة يصلصل جرسها يوم الأحد أو حين يموت أحد المسيحيين، حارة اليهود توازي شارع الكنيسة، تمتلئ بالمحلات الصغيرة وتجار الصاغة، وفي نهايتها الخمارة.
شارع المحطة أكبر الشوارع، يمتد من محطة القطار والسوق الكبير إلى الميدان الصغير (حيث مكتب البريد وصهاريج الماء)، يجتاز الكوبري (شارع الترعة)، ثم يزدحم بالناس والمحلات من كل الأنواع: الدخان والسجائر، عرائس مولد النبي، الكنافة، اللب، الكراريس ، زمامير العيد، الباعة الجائلون ينادون على بضائعهم راكبي الحمير أو عربات الكارو، المتاجرون في القطن أو البرسيم، عازفو الموسيقى في الأعياد والمواسم، الضاربون على الدف والطبول، الحواة يرقصون القرود ويبتلعون النار، المنادون المداحون، الندابات النداهات الغوازي العالمات الراقصات في الحفلات والحانات، بيوت البغاء، والبوليس، والشحاذون، وذوو العاهات.
كنت أمشي كل يوم في هذا الشارع الرئيسي لأذهب إلى المدرسة، أغرق في البحر الخضم، المياه العميقة المتحركة تطفو عليها وجوه بشر كالأعشاب السابحة، تنقلب إلى أمواج عالية، الشمس قوية ساطعة طول العام، بلا رعد ولا برق ولا مطر، ما عدا بعض الأيام في الشتاء، يصبح المطر مثل الفاكهة النادرة، أتلقى رذاذ المطر فوق وجهي كما يتلقاه الزرع الأخضر، عيون الفلاحين تتجه نحو السماء، تشكر الله على نعمته. يشتد الجفاف، تمتنع السماء عن المطر، يتجمع الناس في الجامع الكبير، يؤمهم الإمام الشيخ، يرفعون أيديهم، يدعون الله أن يأمر السحب لتتجمع، والسماء أن تنفجر بالرعد والبرق والمطر، إذا انخفضت مياه النيل يركعون لله، يطلبون منه المغفرة وإطلاق مياه النيل بالفيضان.
كنت أمشي في الشارع تحت إبطي حقيبة المدرسة، الشارع الرئيسي ينتهي إلى ميدان كبير، فيه أجزخانة يني، مقهى «جرانيمو»، ومكتبة صغيرة يملكها رجل اسمه «شقير»، يقف وراء طاولة خشبية يبيع الأقلام والكراريس ودوايات الحبر. «لبيب شقير» يقف بدل أبيه وراء الطاولة، يبيع لي سن القلم الحبر بنصف مليم، قال لي: أنا زميل أخوك «طلعت» في المدرسة، خرجت من المكتبة دون أن أرد عليه، كانت أمي تحذرني من الرد على الصبيان الغرباء.
أصبح الأب «شقير» من التجار الأثرياء في منوف، يجمع نصف المليم على نصف المليم ويصنع الملايين، هكذا يقول أبي، لم يكن أبي ينظر إلى مهنة التجارة باحترام، أهل منوف (المنوفية كلها) اشتهروا بالبخل، «المنوفي لا يلوفي ولو أكلته لحم الخروفي» عبارة تجري على كل لسان.
كان «لبيب شقير» تلميذا مجدا، يتفوق على أخي وأبناء المتعلمين والموظفين، يرسب أخي في الامتحان، فيقول له أبي: ابن مفتش التعليم يسقط وابن بياع الكراريس والقراطيس ينجح بتفوق ؟!
منذ مكتبة شقير في منوف لم ألتق بلبيب إلا عام 1980م (أربعون عاما تقريبا)، التقينا في أحد المؤتمرات الدولية في بيروت، دعاني إلى الغداء في مطعم طل على «الروشة»، قال لي: «فاكرة منوف؟! كنتي تركبي البسكليتة في شارع الترعة، وكان الصبيان يجروا وراكي ويقولوا: شوفو البنت راكبة عجلة! وكنا احنا شباب منوف نتجمع عند الكوبري في شارع الترعة عشان نشوف بنت البيه المفتش وهي راكبة العجلة، وكل واحد فينا يحلم بيها ويقول لنفسه: لازم أنجح بسرعة عشان أتقدم لأبوها.»
كانت المرة الأخيرة التي رأيت فيها الدكتور لبيب شقير، سمعت أنه مات، لم أعرف عنه إلا القليل، في 15 مايو 1971م ضرب السادات رجال عبد الناصر فيما أسماه «ثورة التصحيح» للقضاء على مراكز القوى، كان الدكتور لبيب شقير (رئيس مجلس الشعب) واحدا من هؤلاء، لم يدخل السجن مثل وزير الداخلية «شعراوي جمعة» أو غيره من الوزراء السابقين، كان من الأساتذة في القانون، تخرج في كلية الحقوق بدرجة الامتياز، انجذب إلى السياسة والحكم. •••
ناظرة المدرسة الإنجليزية اسمها «مس هيمر»، تمر علينا في طابور الصباح في يدها مسطرة طويلة تضرب بها البنات على أطراف أصابعهن.
Halaman tidak diketahui