وأراد دعبس مواصلة الجدل، ولكنه تبين في عيني جبل غضبا من نار فتراجع، وغادر المجلس دون أن ينبس. وقصد عند المساء غرزة عتريس الأعمش، وجلس في حلقة الجالسين يدخن مجترا همومه. وأراد أن يتسلى فدعا كعبلها إلى المقامرة، فلعبا السيجة، ولم تكد تمضي نصف ساعة حتى خسر نصيبه من ريع الوقف! وضحك عتريس وهو يغير ماء الجوزة وقال: يا سوء بختك يا دعبس! الفقر مكتوب عليك ولو على رغم إرادة الواقف!
فغمغم دعبس بحقد وقد طير الخسران السطل من مخه: ليس بهذه السهولة تضيع الثروات!
فأخذ عتريس نفسا من الجوزة؛ ليضبط كمية المياه بها ثم قال: لكنها ضاعت يا ابن والدي!
كان كعبلها يسوي الأوراق المالية بعناية، ثم رفع يده بها؛ ليدسها في صدره، لكن دعبس منعه بيد وأشار بالأخرى إشارة خاصة أن يرد النقود! وقطب كعبلها وقال: لم تعد نقودك ولا حق لك فيها!
فصاح دعبس: دع النقود يا ابن الزبالة!
ونظر عتريس نحوهما بقلق وقال: لا تتشاجرا في بيتي.
فصاح دعبس وهو يشد على يد كعبلها: لن يسرقني ابن الزانية! - اترك يدي يا دعبس، أنا لم أسرقك. - يعني ربحتها في تجارة؟ - لماذا قامرت؟
فلطمه بشدة وهو يقول: نقودي، قبل أن أكسر عظامك.
ونتش كعبلها يده فجأة؛ فثار غضب دعبس لحد الجنون وضربه بسبابته في عينه اليمنى.
صرخ كعبلها صرخة عالية، وانتفض واقفا، ثم غطى عينيه بكفيه تاركا الأوراق تتهاوى إلى حجر دعبس، وترنح من الألم، ثم سقط وراح يتلوى ويئن أنينا موجعا. والتف حوله الجالسون، على حين جمع دعبس النقود وأعادها إلى صدره. وإذا بعتريس يقترب منه قائلا في هلع: صفيت عينه!
Halaman tidak diketahui