والناس في مصر ربيع دائم، من أرضهم وسمائهم، وزرعهم ونيلهم، فهم لا يحسون مقدم الربيع إلا قليلا. ولو أنهم عرفوا كلب الشتاء، وانجماد الهواء، وقشعريرة الأرض وقسوة السماء، ورأوا كيف تموت الطبيعة في زمن، وتلتف من الثلج في كفن.
وقد غاب في الثلج الربيع وحسنه
كما اكتن في بيض فراخ الطواوس
ثم شهدوا كيف يأتي الربيع، فيكهرب كل ذرة، ويفيض كل عين ثرة، ويخلق كل نضرة - لاحتفوا بالربيع، وعرفوه يقظة بعد هجود، واشتعالا بعد خمود، ورأوا فيه النشور بعد الموت، والإدراك بعد الفوت.
على أن للربيع في مصر دقائق يسر لها الإنسان، وشيات يدركها الشعراء في كل زمان.
جاء الربيع فليت في كل قلب من صفائه قطرة، وفي كل نفس من جماله زهرة، وفي كل خلق من عبيره نفحة؛ لتعمر النفوس بمعاني الحياة، وتستنير بأشعة الجمال، ويسكن الناس إلى السعادة حينا، وينسوا أساليب العداوة والبغضاء زمنا. وليت الناس جروا مع الحياة طلقها، ولم يفسدوا على الطبيعة خلقها، فأنبت الربيع في كل قسوة رحمة، وفي كل يأس أملا، وفي كل حزن سرورا، وفي كل ظلام نورا. ليتهم اجتمعوا على ورد الحياة متصافين، كما ترف على جداول الربيع الرياحين.
رثاء ضرس1
أيها الضرس ما خلعت اختيارا
رغم أنفي فراق خل قديم
لك في في موضع ليس ينسى
Halaman tidak diketahui