أي مسرح للفكر، وأي مجال للخيال، وأي مراد للطرف!
دنيا معاش للورى حتى إذا
جاء الربيع فإنما هي منظر
والطير مغردات كأن أصواتها ذوب هذه الألوان، وكأن ألوان الروض جمد هذه الألحان. يهتز الطائر الغريد، على الغصن الأملود، فيقرأ ما تحته من صفحات الجمال، فكأنما الطير إبر الحاكيات، تنطق بما تضمنت الصفحات من نغمات،
2
والعصفور مرح تتداوله الأغصان، وتتهاداه الأفنان، تارة في انتزاء بين الأرض والسماء، وتارة تغيبه الحديقة، كأنه في هذا الجمال فكرة دقيقة، صغير تملأ الهواء نغماته، ضئيل تشغل الجو خفقاته.
والفراش قلق بين النوار، هائم بين الأزهار، لا يقر له قرار، كأن كل فراشة زهرة طائرة، أو قبلة بين الأزهار حائرة، أو نغمة في جمال الروض سائرة!
والشعراء ينافسون الطير على الأيك طربا وتغريدا، وفي المرج تسبيحا وتحميدا، تنبجس في جوانبهم ينابيع البيان، وتتفتح سرائرهم على أزهار الشعر؛ ففي كل قلب ربيع، ومن كل قصيدة روضة، وفي كل معنى زهرة، وعلى كل قافية نضرة.
هكذا تفيض الحياة على الجماد والنبات والحيوان، وينتظم الجمال الخليقة والإنسان، كأنما العالم كله فكرة واحدة، أو قصيدة خالدة.
ذلكم الربيع الذي فتن الناس، فافتنوا في وصفه والإبانة عن محاسنه، والإشادة بذكره، والاحتفال بمقدمه، فاتخذته الأمم على اختلاف المذاهب عيدا، ومجدته بشتى الوسائل تمجيدا، وأولع به الشعراء في كل قبيل، ولم يخل من المفتونين به جيل.
Halaman tidak diketahui