302

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Genre-genre

- المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إِذَا كَانَ القُنُوْطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى كُفْرٌ؛ فَكَيْفَ اسْتَبْعَدَ إِبْرَاهِيْمُ ﵊ الفَرَجَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهُ ﴿قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُوْنَ﴾؟
الجَوَابُ:
إِنَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيْمَ ﵇ لِلمَلَائِكَةِ ﴿قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُوْنَ، قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ القَانِطِيْنَ، قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّوْنَ﴾ لَيْسَ فِيْهِ أَنَّ إِبْرَاهِيْمَ ﵇ قَنَطَ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ، وَإنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ اسْتِبْعَادِ الوُقُوْعِ مِنْ جِهَةِ الأَسْبَابِ، وَلَيْسَ مِنْ جِهَةِ قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ، لِأَنَّ العَادَةَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَبُرَ سِنُّهُ وَسِنُّ زَوْجَتِهِ اسْتُبْعِدَ أَنْ يُولَدَ لَهُ مِنْهَا - مِنْ جِهَةِ الأَسْبَابِ -، فَلَيْسَ قَوْلُهُ ذَاكَ هُوَ مِنَ القُنُوْطِ؛ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ قُدْرَةِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْظَمُ، وَلِذَلِكَ وَصَفَ هُوَ نَفْسُهُ القَانِطَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى بِالضَّلَالِ. (١)

(١) وَمِثْلُهُ قَوْلُ زَكَرِيَّا ﵇ عِنْدَمَا بَشَّرُوُهُ بِيَحْيَى ﵇ ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُوْنُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ (آل عِمْرَان:٤٠) فَهُوَ نَظَرَ إِلَى الأَسْبَابِ وَتَعَجَّبَ مِنْ إِتْيَانِ الوَلَدِ بِهَا، وَلَمْ يُظْهِرْ قُنُوْطًا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، بَلْ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَ مَرْيَمَ ﵍ عِنْدَمَا رَأَى رِزْقَ رَبِّهَا لَهَا - مِنْ غَيْرِ سَعْيٍ مِنْهَا - دَعَا اللهَ طَالِبًا مِنْهُ لِذَاكَ؛ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِيَطْلُبَ مِنْهُ تَعَالَى إِذَا كَانَ قَانِطًا مِنْ ربِّهِ! قَالَ تَعَالَى: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيْعُ الدُّعَاءِ﴾ (آل عِمْرَان:٣٧) فَدُعَائُهُ دَالٌّ عَلَى اعْتِقَادِهِ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى رِزْقِهِ وَلَوْ عَدِمَ هُوَ السَّبَبَ.

1 / 302