At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid
التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
Genre-genre
الشَّرْحُ
- فِي الأَبْوَابِ السَّابِقَةِ بَيَانُ أَنَّ المُسْلِمَ إِذَا عَلِمَ أَهَمِيَّةَ التَّوْحِيْدِ وَفَضْلَهُ وَضَرُوْرَةَ الخَوْفِ مِنْ تَرْكِهِ لَزِمَ أَنَّ يَعْمَلَ بِهِ، وَفِي هَذَا البَابِ أَنَّ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ فَلَا يَقْتَصِرَنَّ فِي الخَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ؛ بَلْ يَدْعُوْ النَّاسَ إِلَيْهِ.
- وَفِي هَذَا البَابِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَتِمُّ إِيْمَانُ العَبْدِ إِلَّا إِذَا دَعَا إِلَى التَّوْحِيْدِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالعَصْرِ، إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (العَصْر:٣).
- قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَسُبْحَانَ اللهِ﴾: تَنْزِيْهٌ للهِ تَعَالَى عَنْ كُلِّ مَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوْصَفَ بِهِ. (١)
- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيْلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ﴾: تَنْبِيْهٌ عَلَى أَمْرَيْنِ:
١) ضَرُوْرَةُ الدَّعْوَةُ إِلَى التَّوْحِيْدِ؛ وَأَنَّهَا سَبِيْلُ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَنَّهَا أَصْلُ الإِسْلَامِ؛ حَيْثُ جُعِلَ الإِسْلَامُ مُفَسَّرًا بِهَا فِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيْمَةِ، وَالتَّعْبِيْرُ بِالشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ يَدُلُّ عَلَى رُكْنيَّتِهِ وَأَنَّهُ أَصْلُهُ الأَصِيْلُ. (٢)
٢) التَّنْبِيْهُ عَلَى الإِخْلَاصِ؛ وَذَلِكَ فِي أَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى اللهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُوْنَ عَمَلُهُ فِي دَعْوَتِهِ هُوَ لِابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ تَعَالَى، وَأَنْ لَا يُخَالِفَ فِعْلُهُ قَوْلَهُ. (٣)
- قَوْلُهُ (عَلَى بَصِيْرَةٍ): البَصِيْرَةُ هِيَ العِلْمُ، فَالبَصِيْرَةُ لِلقَلْبِ كَالبَصَرِ لِلعَيْنِ يُبْصِرُ بِهَا الحَقَائِقَ.
- قَوْلُهُ ﴿أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾: دَلَّ عَلَى أَنَّ سَبِيْلَ أَتْبَاعِ النَّبِيِّ ﷺ الدَّعْوَةُ إِلَى تَوْحِيْدِ اللهِ تَعَالَى وَعَلَى بَيِّنَةٍ فِي دِيْنِهِم، وَلِأَنَّ فَاقِدَ الشَّيْءِ لَا يُعْطِيْهِ، وَفِي هَذَا دَلِيْلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الدَّاعِيَةِ أَنْ يَكُوْنَ عَلَى بَصِيْرَةٍ، أَيْ: عَلَى عِلْمٍ بِمَا يَدْعُوْ إِلَيْهِ، أَمَّا الجَاهِلُ فَلَا يَصْلُحُ لِلدَّعْوَةِ. (٤)
- فِي حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ بَيَانُ أَنَّ عَلَى الدَّاعِيَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْ يَتَبَيَّنَ ثَلَاثَةَ أُمُوْرٍ فِي دَعْوَتِهِ:
١) حَالَ المَدْعُوِّ: فَالَّذِيْنَ قُصِدُوا هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ؛ وَمَا عِنْدَهُم لَيْسَ كَمَا عِنْدَ الوَثَنَيينَ، فلَزِمَ تَهَيُّؤُ النَّفْسِ لِشُبَهِهِم وَمَقَالَاتِهِم.
٢) طَرِيْقَةَ الدَّعْوَةِ: وَهِيَ التَدَرُّجَ فِي الدَّعْوَةِ بِحَسْبِ الأَهَمِّ فَالأَهَمِّ، وَأَنْ لَا يُنْتَقَلَ مِنْ أَمْرٍ إِلَى آخَرَ إِلَّا بَعْدَ الانْتِهَاءِ مِنَ الأَوَّلِ.
٣) مَادَّةَ الدَّعْوَةِ: وَهِيَ التَّوْحِيْدَ فِي الأَوَّلِ، ثُمَّ الصَّلَاةَ، ثُمَّ الزَّكَاةَ.
- قَوْلُهُ (بَاتَ): البَيْتُوْتَةُ: هِيَ المُكْثُ فِي اللَّيْلِ؛ سَوَاءً كَانَ مَعَهُ نَوْمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نَوْمٌ.
- قَوْلُهُ (أُنْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ): (الرِسْلُ) - بِالكَسْرِ - الرِّفْقُ وَالتُّؤَدَةُ (٥)، وَالمَعْنَى هُنَا: امْشِ هُوَيْنًا هُوَيْنًا لِأَنَّ المَقَامَ خَطِيْرٌ وَيُخْشَى مِنْ مَكْرِ العَدُوِ، فَاليَهُوْدُ خُبَثَاءٌ أَهْلُ غَدْرٍ. (٦)
- قَوْلُهُ (لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا): لَمْ يقل: لَأنْ تَهْدِي، لِأَنَّ الَّذِيْ يَهْدِي هُوَ اللهُ ﵎ (٧)، وَالمُرَادُ بِالهِدَايَةِ هُنَا هِدَايَةُ التَّوْفِيْقِ وَالقَبُوْلِ.
- قَوْلُهُ (فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنٍ حُمْرِ النَّعَمِ): يُشِيْرُ فِيْهِ إِلَى عَدَمِ اليَأْسِ مِنْ قِلَّةِ المُسْتَجِيْبِيْنَ، وَكَمَا سَبَقَ فِي الحَدِيْثِ (فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ).
- قَوْلُهُ (حُمْرِ النَّعَمِ): بِتَسْكِيْنِ المِيْمِ: جَمْعُ أَحْمَرَ، وَبِالضَّمِّ: جَمْعُ حِمَارٍ، وَالمُرَادُ الأَوَّلُ، وَهِيَ الإِبِلُ الحَمْرَاءُ، وَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَنْفَسُ أَمْوَالِ العَرَبِ.
_________
(١) وَإِعْرَابُ (سُبْحَانَ): مَفْعُوْلٌ مُطْلَقٌ عَامِلُهُ مَحْذُوْفٌ تَقْدِيْرُهُ: أُسَبِّحُ.
(٢) كَمَا فِي قَوْلِهِ ﷺ (الحَجُّ عَرَفَة). صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (١٨٧٧٤) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ يَعْمُرَ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (٣١٧٢).
وَحَدِيْثِ (الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ). صَحِيْحُ مُسْلِمٍ (٥٥) عَنْ تَمِيْمٍ الدَّارِيِّ مَرْفُوْعًا.
وَحَدِيْثِ (الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ). صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (١٨٤٣٦) عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيْرٍ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (٣٤٠٧).
(٣) وَلِهَذَا قَالَ المُصَنِّفُ ﵀ فِي مَسَائِلِ هَذَا البَابِ: فِي قَوْلِهِ (إِلَى اللهِ): تَنْبِيْهٌ عَلَى الإِخْلَاصِ؛ لِأَنَّ كَثِيْرِيْنَ - وَإِنْ دَعَوا إِلَى الحَقِّ - فَإِنَّمَا يَدْعُوْنَ إِلَى أَنْفُسِهِم: أَيْ مِنْ جِهَةِ الرِّيَاءِ.
(٤) وَلَا يَخْفَى أَنَّ المُتَصَدِّرَ لِلدَّعْوَةِ إِلَى الإِسْلَامِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ شُرُوْطٍ أُخَرَ؛ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ ذِكْرِهَا.
وَهَذَا لَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا مِنَ الحَقِّ أَنَّهُ لَا يُبَلِّغُهُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهُ، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٣٤٦١) عَنِ ابْنِ عَمْرو مَرْفُوْعًا، وَلَكِنَّ الكَلَامَ فِي الدُّعَاةِ الَّذِيْنَ جَعَلُوا الدَّعْوَةَ مَيْدَانَهُم وَهَمَّهُم وَتَصَدَّرُوا لَهَا.
(٥) القَامُوْسُ المُحِيْطِ (ص١٠٠٥).
(٦) وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوْعِيَّةِ الهُدُوْءِ فِي الجِهَادِ، وَتَرْكِ العَجَلَةِ وَرَفْعِ الأَصْوَاتِ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى الثَّبَاتِ وَالشَّجَاعَةِ وَالتَّدَبُّرِ فِي الأَمْرِ، بِخِلَافِ الطَّيْشِ وَالرَّكْضِ وَرَفْعِ الأَصْوَاتِ، فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى الجُبْنِ وَعَدَمِ الثَّبَاتِ.
(٧) وَأَمَّا الهِدَايَةُ الَّتِيْ تَصِحُّ نِسْبَتُها إِلَى البَشَرِ فَهِيَ هِدَايَةُ الدِّلَالَةِ وَالإِرْشَادِ، وَهُنَاكَ أَنْوَاعٌ أُخَرُ مِنَ الهِدَايَةِ سَيَأْتِي الكَلَامُ عَلَيْهَا فِي مَوْضِعِهَا مِنْ هَذَا الكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
1 / 29