At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid
التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
Genre-genre
٢) الخَوْفُ المُحَرَّمُ (١): وَهُوَ أَنْ يَخَافَ مِنْ مَخْلُوْقٍ؛ فَيُطِيْعَهُ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، أَوْ يَتْرُكَ مَا أَوْجَبَهُ اللهُ عَلَيْهِ - خَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ -، بِحَيْثُ أَنَّهُ إِذَا هَدَّدَهُ إِنْسَانٌ وَأَمَرَهُ بِفِعْلِ مُحَرَّمٍ فَخَافَهُ - وَهُوَ لَا يَسْتَطِيْعُ أَنْ يُنْفِذَ مَا هَدَّدَهُ بِهِ - فَهَذَا خَوفٌ مُحَرَّمٌ، لِأَنَّه يُؤَدِّي إِلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ بِلَا عُذْرٍ (٢)، وَهَذَا النَّوعُ مُنَافٍ لِكَمَالِ التَّوْحِيْدِ الوَاجِبِ. (٣)
وَفِي الحَدِيْثِ (أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُوْلَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ وَلَا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ؛ أَنْ يَقُوْلَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيْمٍ) (٤)، وَكَمَا فِي وصيَّةِ النَّبِيِّ ﷺ لِأَبِي ذَرٍّ (وَأَنْ لَا أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ). (٥)
(١) وَالَّذِيْ قَبْلَهُ أَيْضًا مُحَرَّمٌ - لَا رَيْبَ فِي ذَلِكَ - وَلَكنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ، كَمَا فِي تَفْرِيْقِ أَهْلِ العِلْمِ فِي الذُّنُوْبِ بَيْنَ الشِّرْكِ وَالكَبِيْرَةِ وَالمَعْصِيَةِ؛ رُغمَ أَنَّهَا كُلَّهَا هِيَ مِنْ جُمْلَةِ المَعَاصِي، وَلَكِنَّهُم يَعْنُوْنَ بِالأَخِيْرِ عُمُوْمَ المَعَاصِي مِنَ الصَّغَائِرِ.
(٢) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (٥٣/ ١٣): (قَالَ الطَّبَرِيُّ: (اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ؛ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَجِبُ مُطْلَقًا وَاحْتَجُّوا بِحَدِيْثِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ رَفَعَهُ (أَفْضَلُ الجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ)، وَبِعُمُوْمِ قَوْلِهِ (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ) الحَدِيْثَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ إِنْكَارُ المُنْكَرِ؛ لَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَلْحَقَ المُنْكِرَ بَلَاءٌ لَا قِبَلَ لَهُ بِهِ مِنْ قَتْلٍ وَنَحْوِهِ، وَقَالَ آخَرُوْنَ: يُنْكِرُ بِقَلْبِهِ لِحَدِيْثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوْعًا (يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ بَعْدِي، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ) الحَدِيْث). قَالَ: وَالصَّوَابُ اعْتِبَارُ الشَّرْطِ المَذْكُوْرِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيْثُ (لَا يَنْبَغِي لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ) ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأَنْ (يَتَعَرَّضَ مِنَ البَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيْقُ». انْتَهَى مُلَخَّصًا.
وَقَالَ غَيْرُهُ: يَجِبُ الأَمْرُ بِالمَعْرُوْفِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ ضَرَرًا).
قُلْتُ: وَأَمَّا حَدِيْثُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ فَهُوَ صَحِيْحٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (٤٣٤٤). صَحِيْحُ أَبِي دَاوُدَ (٤٣٤٤).
وَأَمَّا حَدِيْثُ (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ) فَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٤٩) عَنْ أَبي سَعِيْدٍ مَرْفُوْعًا.
وَأمَّا حَدِيْثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (١٨٥٤) أَيْضًا.
وَأمَّا حَدِيْثُ (لَا يَنْبَغِي لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ) فَهُوَ صَحِيْحٌ. التِّرْمِذِيُّ (٢٢٥٤) عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (٦١٣).
(٣) فَمَنْ خَشِيَ أَحَدًا أَكْثَرَ مِنْ خَشْيَتِهِ مِنَ اللهِ تَعَالَى - لَيْسَ خَوْفَ العُبُوْدِيَّةِ - فَهُوَ الخَوْفُ المُحَرَّمُ، وَهُوَ كَمَنْ أَحَبَّ غَيْرَ اللهِ أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّةِ اللهِ - وَلَكِنْ أَيْضًا لَيْسَ مَحَبَّةَ العُبُوْديَّةِ -.
قَالَ الطَّبَرِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٥٤٧/ ٨) عِنْدَ تَأْوِيْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِيْنَ قِيْلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيْمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ إِذَا فَرِيْقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيْبٍ﴾ (النِّسَاء:٧٧): (ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسوْلِ اللهِ ﷺ كَانُوا قَدْ آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوْهُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمُ الجِهَادُ - وَقَدْ فُرِضَ عَلَيْهِم الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ - وَكَانُوا يَسْأَلُوْنَ اللهَ أَنْ يَفْرِضَ عَلَيْهِمُ القِتَالَ، فَلَمَّا فُرِضَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ شَقَّ عَلَيْهِم ذَلِكَ وَقَالُوا مَا أَخْبَرَ اللهُ عَنْهُم فِي كِتَابِهِ).
(٤) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (١١٤٧٤) عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (١٦٨).
(٥) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (٢١٤١٥). الصَّحِيْحَةُ (٢١٦٦).
وَتَمَامُهُ (أَمَرَنِي خَلِيْلِي ﷺ بِسَبْعٍ؛ أَمَرَنِي بِحُبِّ المَسَاكِيْنَ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُوْنِي وَلَا أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي، وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُوْلَ بِالحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ؛ فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْت العَرْشِ).
1 / 289