At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid
التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
Genre-genre
مَسَائِلُ عَلَى البَابِ
- مَسْأَلَةٌ) هَلِ الكُفْرُ هُوَ نَفْسُهُ الشِّرْكُ، أَمْ أَنَّ هُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا؟
الجَوَابُ: الكُفْرُ يَخْتَلِفُ عَنِ الشِّرْكِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، فَالكُفْرُ هُوَ التَّغْطِيَةُ، وَأَمَّا الشِّرْكُ فَهُوَ مِنَ الإِشْرَاكِ فِي الشَّيْءِ خِلَافًا لِلتَّوْحِيْدِ.
أَمَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الكُفْرِ وَالشِّرْكِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَشْرَكَ بِاللهِ فَقَدْ كَفَرَ بِتَوْحِيْدِهِ سُبْحَانَهُ، وَكُلُّ مَنْ كَفَرَ بِتَوْحِيْدِهِ سُبْحَانَهُ فَقَدْ أَشْرَكَ مَعَهُ سُبْحَانَهُ شَيْئًا؛ إِمَّا إِلَهًا مَعْبُوْدًا، وَإِمَّا هَوَىً مُتَّبَعًا وَلَا بُدَّ، أَوْ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَا للهِ لِغَيْرِ اللهِ. (١)
فَالكُفْرُ وَالشِّرْكُ مُتَرَادِفَانِ فِي الشَّرْعِ (٢)، وَالأَكْثَرُ فِي الشِّرْكِ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى إِشْرَاكِ شَيْءٍ مَعَ اللهِ تَعَالَى فِي الرُّبُوْبِيَّةِ أَوِ الأُلَوْهِيَّةِ أَوِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَالأَكْثَرُ فِي الكُفْرِ أَنْ يَكُوْنَ فِي الجُحُوْدِ، وَلَكِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَافِرٌ مِنْ وَجْهٍ وَمُشْرِكٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهَذِهِ حَقِيْقَةٌ شَرْعِيَّةٌ مَرَدُّهَا إِلَى الشَّرْعِ، وَمِنْ أَدِلَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا:
أ) قَوْلُهُ تَعَالَى فِي صَاحِبِ الجَنَّةِ ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيْدَ هَذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِيْ خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ (الكَهْف:٣٧)، فَفِيْهِ إِثْبَاتُ كُفْرِهِ وَذَلِكَ بِإِنْكَارِهِ البَعْثَ وَالمَعَادَ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِ: ﴿لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا﴾، ثُمَّ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنِ الأَوَّلِ أَيْضًا ﴿وَأُحِيْطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيْهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوْشِهَا وَيَقُوْلُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ حَيْثُ سَمَّى اللهُ تَعَالَى كُفْرَ ذَلِكَ الرَّجُلِ شِرْكًا.
ب) قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُوْنُ عَلَيْهِ وَكِيْلًا) (الفُرْقَان:٤٣): فَفِيْهِ بَيَانُ أَنَّ كُلَّ كَافِرٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَتْبُوْعٍ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (جَامِعُ العُلُوْمِ وَالحِكَمِ) (٣): (قَالَ اللهُ ﷿: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ (الجَاثِيَة:٢٣) قَالَ الحَسَنُ وَغَيْرُهُ: هُوَ الَّذِيْ لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا رَكِبَهُ، فَهَذَا يُنَافِي الِاسْتِقَامَةَ عَلَى التَّوْحِيْدِ).
ج) أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَصَفَ تَارِكَ الصَّلَاةِ بِالشِّرْكِ، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (لَيْسَ بَيْنَ العَبْدِ وَالشِّرْكِ إِلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ، فَإِذَا تَرَكَهَا فَقَدْ أَشْرَكَ) (٤)؛ رُغْمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَّخِذَ نِدًّا فِي العِبَادَةِ - ظَاهِرًا - مَعَ اللهِ تَعَالَى. (٥)
_________
(١) قَالَ أَبُو حَيَّانَ الأَنْدَلُسِيُّ ﵀ فِي تَفْسِيْرِهِ (البَحْرُ المُحِيْطُ) (٢٨١/ ٣): (قَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ كَافِرٍ مُشْرِكٌ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَفَرَ مَثَلًا بِنَبِيٍّ؛ زَعَمَ أَنَّ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِيْ أَتَى بِهَا لَيْسَتْ مِنْ عِنْدِ اللهِ؛ فَيَجْعَلُ مَا لَا يَكُوْنُ إِلَّا للهِ لِغَيْرِ اللهِ، فَيَصِيْرُ مُشْرِكًا بِهَذَا المَعْنَى).
(٢) قَالَ العَسْكَرِيُّ ﵀ في كِتَابِهِ (الوُجُوْهُ وَالنَّظَائِرُ) (ص٢٦٦): (فَائِدَةٌ: وَلَا يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ مَا دُوْنَ الشِّرْكِ لَا يَكُوْنُ كُفْرًا؛ لِأَنَّ الشِّرْكَ وَالكُفْرَ فِي أَسْمَاءِ الدِّيْنِ وَاحِدٌ، وَكُلُّ كَافِرٍ مُشْرِكٌ).
(٣) جَامِعُ العُلُوْمِ وَالحِكَمِ (٥٠٩/ ١).
(٤) صَحِيْحٌ. ابْنُ مَاجَه (١٠٨٠) عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (٥٣٨٨).
(٥) انْظُرْ أَشْرِطَةَ فَتَاوَى سِلْسِلَةِ الهُدَى وَالنُّوْرِ (شَرِيْط ٣٤١) مِنْ فَتَاوَى الشَّيْخِ الأَلْبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
1 / 27