224

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Genre-genre

- عِلْمُ التَّنْجِيْمِ: هُوَ عِلْمُ النُّجومِ، وَالتَّنْجِيْمُ هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْكَالٍ (١):
١) الاعْتِقَادُ بِأَنَّ النُّجُوْمَ هِيَ الَّتِيْ تُدبِّرُ الكَوْنَ وَتُصَرِّفُهُ، وَأَنَّهَا تُخَاطَبُ وَتُعْبَدُ وَتُدْعَى وَيُسَبَّحُ لَهَا، فَهَذَا النَّوْعُ سِحْرٌ وَشِرْكٌ. (٢)
٢) عِلْمُ التَّأْثِيْرِ: وَهُوَ الاسْتِدْلَالُ بِالأَحْوَالِ الفَلَكِيَّةِ عَلَى الحَوَادِثِ الأَرْضِيَّةِ، كَالاسْتِدْلَالُ بِمَوَاضِعِ النُّجُوْمِ مِنَ الاقْتِرْانِ وَالطُّلُوْعِ عَلَى الأُمُوْرِ الَّتِيْ تَحْدُثُ فِي الأَرْضِ، وَهَذَا أَيْضًا كُفْرٌ بِاللهِ تَعَالَى (٣). وَلَكِنَّهُ عَلَى دَرَجَتَيْنِ:
أ) أَنْ يَجْعَلَهَا سَبَبًا يَدَّعِي بِهِ عِلْمَ الغَيْبِ، فَيَسْتَدِلَّ بِحَرَكَاتِهَا وَتَنَقُّلَاتِهَا وَتَغَيُّرَاتِهَا عَلَى أَنَّهُ سَيَكُوْنُ كَذَا وَكَذَا (٤)، فَهَذَا اتَّخَذَ تَعَلُّمَ النُّجومِ وَسِيْلَةً لِادِّعَاءِ عِلْمِ الغَيْبِ، وَدَعْوَى عِلْمِ الغَيْبِ كُفْرٌ مُخْرِجٌ عَنِ المِلَّةِ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُوْلُ: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُوْنَ أَيَّانَ يُبْعَثُوْنَ﴾ (النَّمْل:٦٥)، وَهَذَا الأُسْلُوْبُ اللُّغَوِيُّ فِي الحَصْرِ هُوَ مِنْ أَقْوَى أَنْوَاعِ الحَصْرِ، لِأَنَّهُ بِالنَّفِي وَالإِثْبَاتِ، فَإِذَا ادَّعَى أَحَدٌ عِلْمَ الغَيْبِ؛ فَقَدْ كَذَّبَ القُرْآنَ.
ب) أَنْ يَجْعَلَهَا سَبَبًا لِحُدُوْثِ الخَيْرِ وَالشَّرِّ، أَيْ: أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ شَيْءٌ؛ نَسَبَهُ إِلَى النُّجُوْمِ، وَلَا يَنْسُبُ إِلَى النُّجُوْمِ شَيْئًا إِلَّا بَعْدَ وُقُوْعِهِ، فَهَذَا شِرْكٌ أَصْغَرٌ.
٣) عِلْمُ التَّسْيِيْرِ: وَهُوَ الاسْتِدْلَالُ بِالنُّجُوْمِ عَلَى الجِهَاتِ وَالأَوْقَاتِ، فَهَذَا جَائِزٌ، وَقَدْ يَجِبُ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَمْرٌ وَاجِبٌ شَرْعًا. (٥)
وَهَذَا الاسْتِدْلَالُ أَيْضًا يَكُوْنُ مِنْ جِهَتَيْنِ:
أ) الاسْتِدْلَالُ عَلَى الزَّمَانِ: كَالفُصُوْلِ وَدُخُوْلِ رَمَضَانَ وَالأَعْيَادِ وَمَوَاعِيْدِ الزِّرَاعَةِ وَالحَصَادِ وَ....
ب) الاسْتِدْلَالُ عَلَى المَكَانِ: كَجِهَةِ القِبْلَةِ وَالجِهَاتِ الأَرْبَعَةِ وَ... (٦)

(١) وَأَكْثَرُ مَا يَرِدُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِهِ هُوَ عَلَى النَّوْعِ الثَّانِي، وَهُوَ مَعْرِفَةُ المُغَيَّبَاتِ عَنْ طَرِيْقِ النُّجُوْمِ.
(٢) كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ الكَنْعَانِيُّوْنَ الَّذِيْنَ بُعِثَ فِيْهِم إِبْرَاهِيْمُ ﵇، فَإِنَّهُم كَانُوا يَبْنُوْنَ هَيَاكِلَ عَلَى صُوَرِ الكَوَاكِبِ الَّتِيْ يَرَوْنَهَا، وَيَجْعَلُوْنَ بُيُوْتًا لَهَا، وَيَضَعُوْنَ فِيْهَا الصُّوَرَ، ثُمَّ يَتَقَرَّبُوْنَ إِلَيْهَا بِالدُّعَاءِ، وَيَلْبَسُوْنَ لِبَاسًا مُعَيَّنًا، وَيُبَخِّرُوْنَ عِنْدَهَا، وَيَتَقرَّبُوْنَ إِلَيْهَا بِالقُرَبِ، وَيَزْعُمُوْنَ أَنَّهُم إِذَا صَنَعُوا ذَلِكَ نَزَلَتْ رُوْحَانِيَّاتُهَا، وَهَذِهِ الرُّوْحَانِيَّاتُ الَّتِيْ يَزْعُمُوْنَ أَنَّهَا رُوْحَانِيَّاتُ الكَوَاكِبِ؛ إِنَّمَا هِيَ لِلشَّيَاطِيْنِ الَّتِيْ تَنْزِلُ عَلَيْهِم، وَقَدْ تُخَاطِبُهُم، وَقَدْ تَقْضِي حَوَائِجَهُم وَتَفْعَلُ لَهُم بَعْضَ الشَّيْءِ الَّذِيْ يُرِيْدُوْنَهُ؛ لِأَنَّهُم فَعَلُوا مَا تَرْضَاهُ الشَّيَاطِيْنُ، فَخَدَمُوْهَا وَعَبَدُوْهَا، فَيَأْتُوْنَ إِلَيْهِم بِبَعْضِ النَّفْعِ. مُسْتَفَادٌ مِنْ شَرْحِ الشَّيْخِ الغُنَيْمَانِ حَفِظَهُ اللهُ عَلَى كِتَابِ (فَتْحُ المَجِيْدِ)، شَرِيْطُ رَقَم (٧٦)، شَرْحُ البَابِ.
(٣) وَقَدْ تَغَيَّرَتِ الطُّرُقُ الآنَ عِنْدَ نَاسٍ مِنَ المُثَقَّفِيْنَ - كَمَا يَزْعُمُوْنَ -، فَيَكْتُبُوْنَ جَدَاوِلَ وَيَذْكُرُوْنَ الحَوَادِثَ الَّتِيْ تَحْدُثُ فِي هَذَا البُرْجِ، فَيَقُوْلُوْنَ: يَوْمُ كَذَا يَكُوْنُ كَذَا وَكَذَا، ومَنْ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي اليَوْمِ الفُلَانِيِّ يَحْدُثُ لَهُ كَذَا وَكَذَا، وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنَ الكُفْرِ وَالضَّلَالِ، وَلَا يَجُوْزُ أَنْ يُنْظَرَ فِيْهَا؛ لِأَنَّهَا رَجْمٌ بِالغَيْبِ.
(٤) مِثْلُ أَنْ يَقُوْلَ: هَذَا الإِنْسَانُ سَتَكُوْنُ حَيَاتُهُ شَقَاءً لِأَنَّهُ وُلِدَ فِي وَقْتِ النَّجْمِ الفُلَانِيِّ، وَهَذَا حَيَاتُهُ سَتَكُوْنُ سَعِيْدَةً لِأَنَّهُ وُلِدَ فِي النَّجْمِ الفُلَانِيِّ.
(٥) كَحَالَةِ المُسَافِرِ خَارِجَ البُنْيَانِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ جِهَةِ القِبْلَةِ مِنْ أَجْلِ الصَّلَاةِ.
(٦) وَمِنْهُ نَأْخُذُ خَطَأَ العَوَامِّ الَّذِيْنَ يَقُوْلُوْنَ - إِذَا هَبَّتِ الرِّيْحُ -: طَلَعَ النَّجْمُ الفُلَانِيُّ! وَذَلِكَ لِأَنَّ النُّجُوْمَ لَا تَأْثِيْرَ لَهَا بِالرِّيَاحِ، صَحِيْحٌ أَنَّ بَعْضَ الأَوْقَاتِ وَالفُصُوْلِ يَكُوْنُ فِيْهَا رِيْحٌ وَمَطَرٌ؛ وَلَكِنَّهَا ظَرْفٌ لَهُمَا، وَلَيْسَتْ سَبَبًا لَهُمَا.

1 / 224