180

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Genre-genre

- قَوْلُهُ (لَا تَجْعَلُوا بُيُوْتَكُمْ قُبُوْرًا): هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانِي:
١) أَيْ: لَا تَدْفِنُوا فِيْهَا، فَتَكُوْنَ مَقْبَرَةً. (١)
٢) أَيْ: لَا تُعَطِّلُوْهَا عَنِ العِبَادَةِ؛ فَتَجْعَلُوْهَا كَالمَقَابِرِ لَا يُصَلَّى فِيْهَا، لِأَنَّ المَقْبَرَةَ لَا يُصَلَّى فِيْهَا، لِذَلِكَ قَالَ: (صَلُّوا فِي بُيُوْتِكُم). (٢)
٣) أَيْ: لَا تَجْعَلُوْهَا كَالمَقَابِرِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ قِرَاءَةِ القُرْآنِ فِيْهَا، لِأَنَّ المَقْبَرَةَ لَا يُقْرَأُ فِيْهَا القُرْآنُ. (٣)
- قَوْلُهُ (وَصَلُّوا عَلَيَّ): أَيْ: قُوْلُوا (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ)، وَصَلَاةُ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ: هِيَ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِم عِنْدَ المَلَائِكَةِ. (٤)
أَمَّا صَلَاةُ المَلَائِكَةِ عَلَى المُسْلِمِيْنَ: فَهِيَ الاسْتِغْفَارُ (٥) وَالتَّبْرِيْكُ. قَالَ البُخَارِيُّ ﵀ فِي صَحِيْحِهِ: (قَالَ أَبُو العَالِيَةِ: صَلَاةُ اللهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ المَلَائِكَةِ، وَصَلَاةُ المَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿يُصَلُّوْنَ﴾ يُبَرِّكُوْنَ). (٦)
وَأَمَّا صَلَاةُ المُسْلِمِيْنَ عَلَى بَعْضِهِم فَهِيَ الدُّعَاءُ، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأكُلْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا. (٧)

(١) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (٥٣٠/ ١): (فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنِ الدَّفْنِ فِي البُيُوْتِ مُطْلَقًا. وَاللهُ أَعْلَمُ).
قُلْتُ: وَعَلَيْهِ فَلَا يَجُوْزُ أَيْضًا السَّكَنُ بَيْنَ القُبُوْرِ.
قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ ﵀ فِي الفَتَاوَى (٣٥٦/ ١٣) - فِي جَوَابِ سُؤَالٍ حَوْلَ السُّكْنَى فِي المَقْبَرَةِ -: (وَهَذَا مُنْكَرٌ وَإِهَانَةٌ لِلقُبُوْرِ، وَإِذَا صَلَّوا عِنْدَهَا فَصَلَاتُهُم بَاطِلَةٌ، وَالجُلُوْسُ عِنْدَ القُبُوْرِ بِالصُّورَةِ المَذْكُوْرَةِ وَالصَّلَاةُ عِنْدَهَا مِنَ المُنْكَرَاتِ).
قُلْتُ: أَيْضًا مِنْ أَوْجُهِ النَّهْي كُوْنُهَا وَقْفٌ.
(٢) مُسْلِمٌ (٧٧٧) عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوْعًا.
قُلْتُ: وَلَا يَصِحُّ القَوْلُ بِأَنَّ المَعْنَى (لَا تَجْعَلُوا بُيُوْتَكُم كَالقُبُوْرِ): أَيْ: بِأَنْ تَكُوْنُوا كَالأَمْوَاتِ في القُبُوْرِ؛ فَإِنَّهُم لَا يُصَلُّوْنَ! وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي البَرْزَخِ ثَابِتَةٌ، كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللهُ.
(٣) رَوَى مُسْلِمٌ (٧٨٠) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا (لَا تَجْعَلُوا بُيُوْتَكُمْ مَقَابِرَ؛ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الَّذِيْ يُقْرَأُ فِيْهِ سُوْرَةُ البَقَرَةِ).
(٤) صَلَاةُ اللهِ عَلَى عَبْدِهِ لَيْسَتْ هِيَ الرَّحمةُ، وَذَلِكَ لِحَدِيْثِ أَبِي العَالِيَةِ الآتِي، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُوْنَ﴾ (البَقَرَة:١٥٧)، فَالعَطْفُ يَقْتَضِي المُغَايَرَةَ.
(٥) كَمَا فِي البُخَارِيِّ (٤٤٥)، وَمُسْلِمٍ (٦٤٩) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا (المَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِيْ صَلَّى فِيْهِ - مَا لَمْ يُحْدِثْ - تَقُوْلُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ؛ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ).
(٦) البُخَارِيُّ (١٢/ ٦).
(٧) مُسْلِمٌ (١٤٣٠)، وَفِي لَفْظِ الطَّبَرَانِيِّ فِي الكَبِيْرِ (٢٣١/ ١٠) عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ مَرْفُوْعًا (فَلْيَدْعُ بِالبَرَكَةِ). صَحِيْحٌ. صَحِيْحُ الجَامِعِ (٥٣٨).

1 / 180