Arnab Keluar dari Topi
الأرنب خارج القبعة
Genre-genre
يربط البعض هذا بنضوب الموهبة مع التقدم في العمر، غير أن هذا في رأيي غير صحيح؛ لأن هناك عددا كبيرا من المبدعين لم تبدأ موهبتهم إلا في سن متأخرة، وظلوا نجوما حتى آخر يوم في عمرهم، حتى لو توهجوا في مراحل مبكرة من حيواتهم.
غير أن الخفوت والنهايات المؤسفة يرتبطان بعوامل أخرى تتعلق بالزمن نفسه وبتصاريفه، فينتقل الممثل - على سبيل المثال - في أفلامه الأولى من دور الكومبارس إلى الدور الأول، ثم يعود إلى الصف الثاني وربما الأخير في أفلامه الأخيرة. يمكن أن تلمح هذا في القصص المروية عن نهايات عدد كبير من نجوم الكوميديا العرب؛ مثل: إسماعيل ياسين، وعبد الفتاح القصري، وحسن فايق وغيرهم، وكيف تحولوا من نجوم الصف الأول إلى باحثين عن أي دور ليستطيعوا إكمال الحياة. وهذه الدورة موجودة في حياة المغنين مثلا، أو الكتاب الذين ينتقلون من دور النشر التي تتخاطف كتبهم، إلى البحث عن دار نشر تقدر ما ينشرونه. وهذا أمر جد مؤلم ومحزن، والأمر ينطبق على مناحي الحياة الأخرى. ولعل أشهر فيلم عالج هذه القضية هو الفيلم الشهير «المواطن كين».
لكن انطفاء «أضواء المدينة» وسقوط الهالة التي تبدو دائما براقة حول المبدع «النجم»، يمكن ردهما إلى أسباب مختلفة عن فكرة تراجع الإبداع. وقد قدمت السينما العالمية عددا من الأسباب في أفلام تناولت هذه القضية، أشير هنا إلى أربعة منها: أولها الفيلم الفرنسي الصامت «الفنان»، الذي أخرجه ميشيل هازنافيسيوس وحاز جائزة الأوسكار عام 2011؛ وفيلم «هيوجو»، الذي أخرجه مارتن سكورسيزي وحاز 5 جوائز أوسكار في عام 2011؛ و«الرجل الطائر أو الفضيلة غير المتوقعة للجهل»، الذي أخرجه أليخاندرو غونزاليز إيناريتو، وحاز جائزة الأوسكار لهذا عام 2015؛ وفيلم قديم نسبيا هو «إد وود»، الذي أخرجه تيم برتون، وقام ببطولته جوني ديب، والمأخوذ عن قصة حقيقية لأكثر المخرجين فشلا في السينما الأمريكية، الذي حمل الفيلم اسمه. إلا أن ما نود الإشارة إليه في الفيلم هو شخصية البطل المساعد (بيلا لوجوسي)، التي قام بأدائها مارتن لانداو، والتي حاز عنها جائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد للعام 1995.
السبب الذي يقدمه الفيلم الأول (الفنان) هو تغير الآليات التي تعمل بها السينما، والتقنيات المستخدمة؛ فالممثل الذي كان نجم الشباك الأول في عالم السينما الصامتة، ويفرض شروطه على المنتجين، وينتقل من فيلم إلى آخر؛ لا يعرف كيف يتصرف في السينما الناطقة، ورويدا رويدا تذوي الأضواء حوله، وتبهت الهالة التي كانت تحيطه.
في فيلم «هيوجو» نحن أمام قصة وأسباب مختلفة؛ فهي وإن كانت تدور حول طفل يعيش في ساعة في محطة قطار يحاول حل لغز، فإن القصة الحقيقية هي قصة أحد مخرجي السينما الأوائل والرواد، الذي يقرر الابتعاد عن عالم السينما والأضواء بسبب الفقر والاكتئاب، فتحول لشخص عادي تماما بسبب الإفلاس والحرب، اللذين دفعاه إلى بيع كافة أفلامه لأحد معامل المواد الكيميائية لاستعمالها في صناعة كعوب الأحذية النسائية.
في الفيلم الثالث «بيردمان»، الذي حاز جائزة الأوسكار لهذا العام، نحن أمام أحد نجوم سينما الكوميكس؛ إذ كان يقدم شخصية سينمائية شهيرة هي الرجل الطائر (من الطريف أن بطل الفيلم مايكل كيتون قام بتقديم شخصية باتمان في فيلمين نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات) قبل أن تنحسر عنه الأضواء، فيقرر العودة مرة أخرى من خلال مسرحية على مسارح برودواي، ليجد أن كل شيء تغير، وأن مقطع فيديو على يوتيوب قد يجعله مشهورا أكثر من فيلم، وأن النجوم الجدد لا يوقرون الأجيال السابقة، فضلا عن نظرة النقاد إليه باعتباره قادما من عالم هش، هو عالم السينما والكوميكس.
في الفيلم الأخير «إد وود»، رغم أنه يحكي قصة صعود مخرج فاشل - لكنك تتعاطف معه وتحبه على الرغم من ذلك بسبب أداء جوني ديب - فإن القصة الحقيقية هي قصة الممثل الكبير الذي كان يقدم أشهر أدوار الرعب، ثم نسيه الجمهور، ويظن أصحاب شركات الإنتاج أنه فارق الحياة، ويرفضون أن يقوم بأداء أدوار في أفلامهم، بل إن أول مشهد في الفيلم للممثل الذي قام بهذا الدور كان وهو يقيس حجم تابوت على جسده استعدادا للموت. ويستعرض الفيلم كيف صار الممثل يبحث عن دور حتى يشعر أنه لا يزال حيا، لدرجة أنه يفرح عندما تتزاحم كاميرات التصوير عليه بعد دخوله مشفى، وهو ما يتقاطع مع مشهد النهاية في فيلم بيردمان؛ حيث يبحث كل منهما عن نقطة تحقق، حتى لو كانت بإدمان الأول، وقيام الثاني بضرب نفسه برصاصة حقيقية بدلا من الفشنك في مشهد من المسرحية.
يبدو خفوت الهالة وانطفاء الأضواء قاتلين بالطبع، وكفيلين بجلب الاكتئاب والموت لمن تعود على الأضواء، غير أن لكل انطفاء أسبابه؛ ربما صعود أجيال جديدة، ربما الفقر والديون، ربما التمسك بالماضي وعدم الاهتمام بتطوير الفنان لنفسه، وربما دورة الحياة التي تتطلب دماء جديدة توازي الدماء التي تسري في الأجيال الصاعدة نفسها من متلقين ومتعاطين مع الفن. ويمكن تطبيق هذا على الفنون نفسها أيضا - باعتبار الأمر قائما على علاقة تبادلية بين الفن والمبدع - بما فيها الشعر بأنواعه من تفعيلة وقصيدة عمودية، ورواية ومسرح وغيره؛ ولهذا تموت فنون، وتذوي أخرى، وتزدهر ثالثة.
غير أن كل هذه الأفلام السابقة والحكايات الحقيقية الكثيرة، التي لم يتسع لنا الوقت لسردها، والقضية بحد ذاتها؛ تطرح أمامنا سؤالا جوهريا عن ماهية الفن، وطريقة تعاطي الفنان والمبدع مع الزمن، ومدى تطويره لأدواته التي تضمن له ألا تنطفئ من حوله أضواء المدينة، وربما توصله إلى ذلك السر الذي لا يعرفه ولم يصل إليه إلا القلائل؛ ذلك السر الذي يسمونه «الخلود».
كيف تقتل كاتبك المفضل برصاصة واحدة؟
Halaman tidak diketahui