Arnab Keluar dari Topi
الأرنب خارج القبعة
Genre-genre
أجل.
ماركيز :
ألم أقل لك إنه موجود في مكان ما؟!
هذه ليست إجابة سفسطائية أو ساخرة، ولكنها تعبير عن دور الأدب الحقيقي، في إكمال العالم وإصلاحه، وخلقه وإيجاده؛ فماكوندو القرية الأسطورية التي صنعها خيال ماركيز استلهمها من بلدة أراكاتاكا، التي تقع بإقليم ماجدالينا، التي ولد بها. لا إجابات شافية لكل أسئلة الصحافيين المكررة، ولا للأسئلة المطروحة في هذا المقال؛ لأنه لا إجابة شافية للفن، ربما يحمل الفن ذاته الشفاء، لكن مم؟ من الحياة؟ ربما! لكن ما أريد قوله هو أنه إذا كان التاريخ يكتبه المنتصرون، فإن الأدب يكتب التاريخ المفترض حدوثه، يكتب العالم كما يجب أن يكون، والذين أوكل الله إليهم هذه المهمة يأخذون قطع الصلصال من الأرض ويعيدون تشكيلها مرة أخرى، حتى إنك لا تصدق أن هذا الصلصال الجميل خرج من هذه الأرض القاسية.
من قتل الشعراء؟
توصل بحث إحصائي لأستاذ علم النفس المساعد في جامعة كاليفورنيا «جيمس كوفمان»، خلال عام 1987، عن علاقة المبدعين بالموت، من ثقافات وبلدان مختلفة، إلى أن متوسط أعمار الشعراء 62 عاما، وكتاب المسرحية 63 عاما، وكتاب الرواية 66 عاما، وبقية الكتاب 68 عاما، وأن الشاعرات هن الأكثر عرضة للإصابة بالمرض النفسي قبل موتهن أو انتحارهن.
ما الذي يعنيه هذا؟ يعني - بحسب الإحصاء الذي تقصى أعمار الشعراء خلال الفترة من عام 390 حتى أواخر القرن العشرين - أن الشعراء هم الأقصر عمرا، هم الذين يخطفهم الموت أولا، قبل أن يلتفت إلى الباقين، هم الذين يقولون ما لديهم وهم يعرفون أنهم به يستفزون الموت. والدراسات التي تحدثت عن الموت المبكر للكتاب، أو إيداعهم المصحة النفسية قبل رحيلهم، أو اتخاذهم قرارا بمغادرة الحياة انتحارا؛ كثيرة. لكن المؤكد أن ثمة علاقة غامضة بين الموت والشعر تحديدا، واللافت أيضا أنه على الرغم من مغادرتهم الحياة مبكرا فإنهم تركوا آثارا شعرية لا تزال من عيون الشعر، وكأنهم أرادوا أن يقولوا كل ما لديهم خلال الفترة القصيرة التي سمحت لهم الحياة بها؛ فخرجت القصائد كأنها قطعة من العذاب أو قطعة من الجحيم، إذا استحضرنا روح «رامبو». ولدينا في شعرنا العربي نماذج كثيرة؛ أقربها: أبو القاسم الشابي، وأمل دنقل ، وصلاح جاهين، وأسامة الدناصوري. وربما تجدر هنا الإشارة إلى الأنطولوجيا الشعرية التي أعدتها الشاعرة اللبنانية جمانة حداد قبل سنوات، بعنوان «مائة وخمسون شاعرا انتحروا في القرن العشرين»، وذكرت فيها خمسة عشر شاعرا عربيا، ربما يبدو أشهرهم الشاعر اللبناني خليل حاوي.
وتتبع تاريخ أشهر شعراء العالم الذين رحلوا عن الحياة مبكرا أو انتحارا، يبدو مثيرا للدهشة والتساؤل فعلا، وإذا كنا قد أشرنا في مقال سابق إلى بعض الشاعرات اللائي اخترن الانتحار طريقا للموت؛ مثل: «سيلفيا بلاث» التي اختارت أن تنهي حياتها بأن وضعت رأسها في فرن البوتاجاز المشتعل، أو «آن ساكستون» التي انتحرت في سن السادسة والأربعين. فإن هناك حالات أخرى تؤكد لنا أنه بقدر الموهبة يكون الألم، ويكون العذاب، ويكون الجنون، ويكون الموت.
ف «بول فرلين» الذي أطلق على صديق عمره «رامبو» رصاصتين لأنه أخبره أنه سيتركه ويرحل وأودع السجن بعد ذلك؛ خرج مريضا بتلف في الدماغ، ومرض السكر، وتقطع في ضربات القلب، وتليف في الكبد، والتهابات جلدية معدية، وتصلب في شرايين الساق اليسرى، والتهاب الرئة؛ قبل أن يدخل مستشفى الأمراض النفسية، قبل أن ينهي الموت حياته القصيرة البائسة. أما الشاعر «جيرار دو نيرفال» الذي دخل المصحة النفسية أيضا؛ فقد اختار أن يضع حدا بيده لحياته عندما توجه إلى ساحة «شاتليه» بباريس، وعلق نفسه في شجرة هناك ليموت مشنوقا في ساحة تحمل اسمه الآن، وهو قريب مما فعله الشاعر الروسي «ماياكوفسكي» الذي أطلق النار على نفسه في غرفته وهو ما زال في العقد الثالث من عمره. أصغر الشعراء رامبو حاول أن يفر من الشعر ومن الموت الذي يحمله الشعر؛ فارتحل إلى أفريقيا واليمن، وعمل تاجر سلاح ورقيق، لكن الموت جاءه على هيئة سرطان نهش ساقه حتى بترت، قبل أن يقضي عليه تماما.
لكن لم يكن الانتحار هو سبيل الموت لدى الشعراء العرب القدامى، بل كان الشعر هو الطريق، وكانت الكلمة مرادفا للسيف. ولعل الجميع يعرف حكاية بيت الشعر الذي قتل صاحبه، ويقصد به «المتنبي»؛ إذ قطع طريقه - أثناء عودته إلى الكوفة بعد مدحه عضد الدولة البويهي في شيراز - أعراب من بني ضبة بقيادة «فاتك الأسدي»، وكان المتنبي قد هجا ضبة بشعر مقذع وسب أمه؛ فدار قتال شديد بينهم وبين المتنبي وابنه وغلامه، وأراد المتنبي أن يفر، ولكن غلامه قال له: كيف تفر من المعركة وأنت القائل:
Halaman tidak diketahui