Arnab Keluar dari Topi
الأرنب خارج القبعة
Genre-genre
البعض يرى أن الإبداع ليس إدهاش المتلقي وإنما هو عفوية الكلمة، وهذا صحيح إلى حد كبير؛ لأن الفن يجب أن يجمع بين الإدهاش والبساطة والعمق، وأن يتم بحرفية وبذكاء في نفس الوقت، كما في لوحات سلفادور دالي مثلا. وهذا يجعلنا نفرق بين «الإدهاش» و«الإمتاع»؛ فالإدهاش - في ظني - متعلق بالفن أكثر، وإن كان الإمتاع ربما يجده البعض في أعمال فنية قليلة القيمة (البعض يستمتع بمشاهدة المسرح التجاري)، لكن الإدهاش هو جزء أساسي في جوهر الفن الحقيقي، حتى لو كان يقدم الواقع، مثلما فعل نجيب محفوظ في رواياته الواقعية، لكن ما يدهش حقا هو بناء هذا العالم المركب، والعلاقات المتشابكة، وبث الروح في شخصيات على الورق فتبدو وكأنها من لحم ودم، ومحاكاة الحياة التي تجعل من النص حياة موازية، يفضلها البعض على حياتهم الحقيقية.
الدهشة أحد أهم المعايير الجمالية للنصوص ومفتاح أسئلتها، هي قرينة لعدم تكرار الكاتب نفسه؛ لأن القارئ سيكتشف الخدعة إذا قرأ أكثر من عمل، دليل على أن الكاتب قد نجح في الوصول للقارئ، ليست شرطا للفن لكنها جوهره، ليست كلمات متنافرة متراصة بعضها بجوار البعض لخلق دهشة مصطنعة، بل هي البساطة الآسرة التي تمس عقلك كعصا ساحر، الدهشة تختار الكاتب كما قال «يوسا»: «لا يختار الكاتب موضوعاته، بل الموضوعات هي التي تختاره.» فيا له من محظوظ من يقع عليه الاختيار!
أهمية أن نكتب يا ناس
قبل وفاة والد الروائي التركي «أورهان باموق» بفترة قصيرة، أعطاه حقيبة صغيرة مملوءة بكتابات له ومخطوطات وقصاصات مختلفة ودفاتر، مطالبا إياه بأن يقرأها بعد رحيله: «ألق نظرة عليها فقط (قالها الأب وهو محرج قليلا) لترى إن كان فيها ما ينفع، لعلك تختار منها ما يستحق النشر بعد موتي من مختارات.»
يروي باموق ما دار بعد ذلك في كلمته التي ألقاها في حفل العشاء الذي أقيم بمناسبة حصوله على جائزة نوبل للعام 2006: «أراد أبي أن يكون شاعرا إسطنبوليا، وترجم فاليري إلى التركية، لكنه لم يرد أن يعيش تلك الحياة التي تأتي مع كتابة الشعر في بلد فقير به القليل من القراء.» لكن ما كان يؤرق أورهان هو أنه كان غاضبا من والده؛ «لأنه لم يعش حياة مثل حياتي، لأنه لم يتعارك قط مع حياته، وقضاها سعيدا، ضاحكا بين أصدقائه وأحبابه.»
يطرح باموق هنا أمامنا حياتين، على من يود الكتابة أن يختار بينهما: إما «أن يعيش كاتبا ويتعارك مع الحياة»، وإما «أن يعيش سعيدا ضاحكا بين أصدقائه.» باموق الذي حصل على أرفع الجوائز الأدبية يعترف بأنه: أن تكون كاتبا يعني ألا تكون سعيدا. لكنه لم يكن ناقما على والده بقدر ما كان غاضبا؛ لأنه يريد بالفعل حياة الكاتب، لأنه يحتاج إلى الكتابة، لأن لديه - كما قال في كلمته تلك: «احتياجا داخليا للكتابة! أكتب لأنني لا أستطيع القيام بأي عمل آخر مما يفعله الناس. أكتب لأنني أريد قراءة كتب مثل التي أكتبها. أكتب لأنني غاضب منكم كلكم، غاضب من الجميع. أكتب لأنني أحب الجلوس في غرفة طيلة اليوم أكتب. أكتب لأنني لا يمكنني المشاركة في الحياة الحقيقية إلا بتغييرها. أكتب لأنني أحب رائحة الورق، والقلم، والحبر. أكتب لأنني أحب المجد والاهتمام اللذين تجلبهما الكتابة. أكتب كي أكون وحدي. ربما أكتب كي أفهم لم أنا غاضب جدا جدا منكم كلكم. أكتب لأنني أحب أن يقرأني الآخرون. أكتب لأن الجميع ينتظرون مني أن أكتب. أكتب لأن لدي إيمانا طفوليا بخلود المكتبات. أكتب، لا كي أحكي قصة، بل كي أنظم قصة. أكتب لأنني لم أكن سعيدا تماما مطلقا. أكتب كي أكون سعيدا.»
لكن الروائية الفرنسية «آني إرنو» تكتب لسبب آخر: «أكتب، ربما لأن الكلام كان قد انتهى بيننا.» كل كاتب لديه سبب جوهري للكتابة، مرتبط بالآخر، بالقارئ، كما تحدثت في مقال سابق، لكن كل هذه الأسباب تصب في اتجاه الخلود؛ خلود الكتابة، خلود الحياة، خلود الإنسان على هذه الأرض؛ حتى يصبح ثمة فارق بينه وبين الكائنات الأخرى.
الكتابة هي بداية الكلام وانتهاؤه، هي تكون الجنين ونفخة الصور، هي القصيدة التي لم تكتمل وتتمة الحكاية، هي السؤال المعلق في الهواء مثل بيت أسطوري، وهي الجواب الذي يأتي مثل قطرة ماء لتائه في الصحراء، هي السراب الذي لا نريده أن ينتهي، وهي السراب الذي نريده أن يتحقق. هي التحقق، وهي الرغبة في التحقق، وهي ما بعد التحقق. هي التوق إلى الحرية، والطريق إلى الحرية، والحرية ذاتها؛ لأنها - لكاتبها على الأقل - كل شيء، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، أما لغيره ممن لم يدخلوا جنانها، ويسيروا على صراطها ما بين بهجة الوصول وخوف السقوط، فليست أي شيء.
يقول صلاح جاهين:
في يوم من الأيام ح اكتب قصيدة
Halaman tidak diketahui