وسأله الشبراوي بلهفة: طيب وبعدين؟ - فقال العسكري بكل هدوء: تعال بكرة. - بكرة؟ بكرة إزاي؟ - بكرة الصبح.
ثم أعقب العسكري جوابه بشخطة فرقت الناس وفي جعبتهم أكثر من نادرة.
وتوسل إليه الشبراوي وهو يسأل إن كان ممكنا تركها إلى الصباح في المحافظة.
وحدجه العسكري بعينيه دون أن يتكلم، وفهم الشبراوي فسحب زبيدة ومضى. ومن هذه اللحظة بدأ يطرق عقله طرف المشكلة، وبدأ يفكر كيف يبيت ومعه هذه الداهية، ولكنه كان متعبا مهدودا، وله ساعات لم يدخل جوفه طعام.
ودخل أقرب قهوة في باب الخلق؛ حيث جلس وأجلسها بجانبه وكتفه في كتفها. ولم يعبأ أبدا بتحديق الجالسين فيه وفيها ولا بما يقولون. وطلب شايا وتعميرة، وشربهما، وأحس بالخدر يتمشى لذيذا في جسده، وأفاق من خدره على شيء حدث داخله، فجعله يتململ ويرتد إلى أقصى الخلف، ثم يتلوى إلى أقصى الأمام. وقدر أنه لن يستطيع الاحتمال وعليه أن يبحث في التو عن المكان الذي يقضي حوائج الناس، وسأل الجرسون وعلى وجهه ألم. وأشار الرجل إلى مكان لا يبعد كثيرا.
ولكن ... زبيدة.
وتلفت حوله، ولم يكن صعبا أن يبدأ حديثا سريعا مع جاره الذي كان يرتدي بالطو وجلبابا بلديا، وعرف منه أنه مخبر في المحافظة. واضطر الشبراوي أن يقص الحكاية من طقطق إلى سلام عليكم، وأن يختمها راجيا المخبر أن يأخذ باله من زبيدة، حتى يعمل مثل الناس ويعود، وما كاد الرجل يقبل بغير ترحيب، حتى اندفع الشبراوي وكأنه طلقة.
وحين عاد كانت القهوة قد انقلبت إلى مولد تحييه زبيدة.
وجرها الشبراوي في غلظة بعد أن ألحف في الاعتذار للمخبر، ومشى وهو لا يدري أين يذهب، وكان الوقت يمضي والشمس غابت، والأضواء القوية تزغلل عينيه محاولة تذكيره بالذي مضى، ولكنه كان في عالم آخر.
وظل يبحث في ذاكرته حتى عثر على قريب له من بعيد، طالب في الزراعة في الجامعة، وعثر أيضا في ذاكرته على مكان بيته.
Halaman tidak diketahui