وهذا النزوع إلى المواطن الشعرية أكثر من الجمالية ملحوظ في الشعراء الحقيقيين أمثال كولريدج الذي ناجى «البلبل»، ووردزورث الذي هام بالطبيعة، وكيتس الذي آثر الشاعرية على الجمال؛ فتغنى بالزهر وهتف بالطير ولم يهتم بمرأى أبدعته يد الإنسان.
وفيكتور هيجو الذي لم يجاره أحد في تنوع موضوعاته لم يهتم بالجمال المصنوع مثل ما اهتم بالمثابات الشعرية. يقول الفيلسوف الشاب جييو
Guyau
في كتابه (فلسفة الفن والجمال): إن فيكتور هيجو الذي أحاط بكل ضروب الشعر وتحدث في فنونها المنوعة لم يتغن بكنيسة نوتردام دي باري، وكذلك شرب الشاعر الأمريكي الجريء ثورو من الطبيعة فعاش مع الحيوان والطير والزرع وأحب مواطن الشاعرية لذاتها وابتعد عن الناس وعما أبدعته أيديهم من جمال!
وأبلغ العجب أن يند أبو شادي عن هذا النزوع الشعري في قصيدة واحدة من ديوانه هي «عالم وعالم»، فيحدثنا بعظمة وجمال «المجهر» و«المخبر» وآثارهما للعالم، ويحدثنا عن الطب وعجائبه، وهذه الأدوات العلمية الحديثة من المواطن التي ينبو عنها الشعر. يقول:
ما أعجب الطب وإلهامه
للشاعر الثائر والمجتري
أقصى الخيالات لأشعاره
لا شيء جنب العلم في المخبر!
بيد أني لا أنكر على الشاعر أن يبرز من مثل هذه الأدوات معاني شعرية، ولكن لا يجعلها هي بالذات موضوع الشعر، كما فعل أبو شادي في قصيدته «الطب الحائر» التي لم يتحدث فيها عن الطب المجرد لا من قرب ولا من بعد، ولكنه أبرز من ملابسات الطب فلسفة عميقة ذكية. يقول:
Halaman tidak diketahui