ب، وفوق الغصون تحيا وتفنى
وهبت حسنها الضحية للشم
س كأن الفناء للشمس أغنى!
وليست هذه الأنداء إلا رمزا لقلب شاعر تأثر بمشهد الفجر الشاعري فترقرقت من قلمه أنداء على زهرة الشعر في مملكته المقدسة، فإذا بديوان بكر وسمه الشاعر (أنداء الفجر)؛ ديوان تنفس الحب العفيف الصادق وهتف بمرائي الطبيعة الرائعة، ورسم خوالج النفس الحالمة الشاعرة وتأملات الزهد الخفية العميقة، وإذا بنا ننشق عطر الشاعرية فيه ونلمح وميض العبقرية يخطف بالبصر في داج من الظلم .
وعجب أي عجب لنزوع هذا الشاعر في سن مبكرة إلى انتقاء عناوين شعرية لدواوينه وقصائده ومقطوعاته انتقاء فاتنا يتمازج فيه العنصر الشعري بالعنصر الجمالي كما تتمازج أضواء القمر الجميلة بموجات النهر الساجية.
وها نحن نلمس العنصر الشعري في ديوان (أنداء الفجر) في مثل مقطوعته «وحي المطر» التي هتف بها الشاعر في أوائل الشتاء جامعا فيها بين الطبيعة والحب في نفس واحد، وفي قصيدته «بنات الخريف» يناجي بها روح الخريف مناجاة شعرية قوية، وقصيدة «موسيقى الوجود» يغني فيها بمشاهد الوجود من جماد ونبات. وهذا العنصر الشعري يغمر جميع دواوينه، ونذكر بخاصة ديوان (الينبوع) الذي وعى من القصائد الشاعرة «رعشة الحور» و«الأوراق الميتة» و«الورود الحمراء» و«مصر العازفة» و«الأشعة الصادحة» وغيرها، ونقصد بالعنصر الشعري تلك البيئة التي تنزع بالشاعر إلى المرائي والخوالج وتلف قلبه وحواسه في شبه غيبوبة، وتبتعث شعوره إلى أن يهيم في أودية خفية وذهنه إلى أن يجول في آفاق مجهولة! فأوراق العشب، وأنفاس الزهر، وصمت الكون، وأحزان القمر، وظلال السحب، وأنداء الفجر، وتوفز الطير ... كلها وأشباهها من مواد الشاعرية، بينما القصر الجديد، والطيارة ذات الأزيز، والخيل الجارية في السباق، والسيارة الناهبة للأرض، والآلة الميكانيكية، والاختراع الحديث، وكل مظهر من مظاهر الحياة الصناعية، قد تكون جميلة أيما جمال، ولكنها لا تبض بشاعرية، ولا تتفتح عن خيال. وما عرف أبو شادي الجمال متجردا عن الشاعرية، ولا ترنم في ديوان من دواوينه بمظاهر الجمال البحتة. اسمع إليه يقول في قصيدته «حياتان»: حياة الطبيعة التي يجد فيها موضوعاته الشعرية، وحياته اليومية التي يتقزز منها، يبث حنينه للأولى وشجاه من الثانية ... يقول:
أمي الطبيعة في نجواك إسعادي
وفي ابتعادي أعاني دهري العادي
وفي حمى إخوتي من كل طائرة
وكل نبت نبيل وحيك الهادي
Halaman tidak diketahui