وكل ما هنالك أن الناقد يلقي بهذا الرأي، وهو يعرض في ذهنه أساليب قصص مختلفة ويريد مني أن أوافقها جميعا في أسلوب قصة واحدة، وينسى أنني لا بد أن أخالف أسلوب عشرات من القصص إذا وافقت واحدا منها، بل ينسى أنه لم يكلف نفسه تعريف موضوع القصة في «سارة» قبل مطالبة الكاتب بالمنهج الذي يمليه عليه.
فقصة «سارة» ليست قصة حياة همام بطل الرواية، ولا قصة حياة سارة بطلتها، ولا قصة حياة أحد من المذكورين أو المذكورات فيها، ولكنها قصة العلاقة في فترة محدودة من الزمن بين فتى وفتاة، فلا منهج لها غير المنهج الذي يصور البواعث الظاهرة والباطنة التي عملت في تعريضها للشك والاضطراب، ثم انتهت بها إلى ختامها، ولم تبتدئ الرواية إلا حيث ينبغي أن تبدأ؛ لأنها بدأت بموقف الفصل بين دواعي بطل الرواية وبطلتها إلى استئناف علاقتهما ودواعيهما إلى القطيعة والانفصال، ومن هنا ينبغي أن يبدأ تساؤل المطلع عن طبيعة تلك الصلة، وطبيعة الدواعي التي ألحت عليها بدواعي التردد إلى خاتمة التردد على غير يقين ... •••
ولست أدعو كل قلم إلى اتباع هذا المنهج في وصف هذه العلاقة، ولكنني أدعو من شاء أن يقترح لها منهجا آخر يوافق النقاد والشعراء على أنه أصلح من منهجها لإبلاغ مؤثراتها النفسية إلى وجدانهم، ولا أحسبهم موافقين ...
وبعد، فما هو المقياس الذي يقاس به هذا المنهج، وكل منهج سواه؟
إنه هو ذلك المقياس المتفق عليه في خطوط المواصلات جميعا: وهو وقت السفر ومحطة الوصول. (6) ما لم أكتب وما أريد أن أكتب
إذا سألني القارئ ما الذي تريد أن تكتبه؟ وما الذي لم تكتبه عمدا أو لضرورة من ضرورات الوقت والحالة؟ فالجواب عن هذه الأسئلة قد يعرفه القارئ الذي يلم بعناوين كتبي وموضوعاتها؛ لأنه يعرف منها ما يهمني وما أستطيع أن أكتب فيه، ويعرف من ثم كيف يتم ما بدأته من تلك الموضوعات، وما الذي يحتاج منها إلى إتمام.
فالغالب على القراءة والكتابة عندي أنهما تتصلان بمسائل شاملة، يجمعها برنامج واضح يحيط بتفصيلاتها، وكلها تدور على مسائل الوجود والعقيدة والعظمة الإنسانية والفنون، وأكثر ما كتبت فيه من هذه المسائل يشير إلى أن بقيتها «تحت التأليف».
كتبت عن وجود الخير الأكبر، وهو الله خالق كل شيء ...
وكتبت عن وجود الشر الأكبر، وهو إبليس أو الشيطان، رمز الفساد في كل شيء؛ لأن الكون هو الخلق الأعظم في مجموعته الواسعة الكاملة، ولأن الإنسان هو أشرف المخلوقات التي نعلمها، وأقربها إلى الوجود الإلهي، وقد يراه المتصوفة أكبر من الكون كله كما قال شاعرهم:
وتزعم أنك جرم صغ
Halaman tidak diketahui