كنت أجلس إلى المصباح في حجرتي حتى منتصف الليل أطالع وأذاكر، في ماذا؟!
كلهم في المنزل يحسبون أنني أذاكر دروسي وأطالع كتب المدرسة، ويصفونني من أجل ذلك بالغيرة على الواجب والأنفة من التأخر في الترتيب، وكلهم في الواقع لا يعلمون الحقيقة؛ لأنهم لا ينظرون في الكتب والدراسات التي أدمن مطالعتها ...
إنها تارة ديوان شعر، وتارة أخرى قصة من قصص ألف ليلة ونحوها، وتارة غير هذه، وتلك مجلة شهرية «كالمقتطف»، و«الهلال»، و«المحيط»، و«المفتاح»، وغيرها من مجلات تلك الأيام!
ولهذا لا يسوءني أن أعود طالبا، فأعود نظاميا على هذه الوتيرة؛ إذ هي نظامية تجمع بين قضاء حق الواجب، وقضاء حق التمرد في رأي الذين يطالبونني بالنظام ... •••
كدت أنسى أن أقول للقارئ إن هذه المغالطة لم تكن غاية شوطي من التمرد على النظام أيام التلمذة ...
فقد ذهبت في التمرد إلى النقيضين، وكان بعض هذا التمرد خطرا على الحياة؛ لأنه كان يغريني بالسباحة في النيل، وما أدراك ما النيل عند أسوان؟!
إنه يبلغ من العرض قرابة ميل، ويندفع فيه التيار من شلال وراء شلال، وتلتف الدوامات بصخوره، فلا يقدر على عبورها غير السابح الخبير، وتكمن التماسيح في مائه متربصة بالسابحين، ولا سيما قبل تمام أعمال البناء على عيون الخزان ...
وكنا نخرج من المنازل وعلى سيقاننا خواتم سليمان مرسومة بالمداد الخفيف الذي لا يحتمل الماء، ولكننا مع هذا كنا نستجيب لغواية النيل، ونعوم بين جزائره المترامية في أخطر أيام الفيضان، ونعتمد على فن الرسم لإخفاء معالم العصيان، فلا يخذلنا هذا الفن إلا حين ننسى ونتعجل، فنرسم خاتم سليمان على اليمنى بدلا من اليسرى، أو على اليسرى بدلا من اليمنى، فيأخذ منا النظام حقه عصيا، أو سياطا معدودات ... ثم نعود إلى العصيان وتزييف خاتم سليمان. •••
هذه مجازفة في سبيل الرياضة البدنية ...
مجازفة بالخروج على النظام، ومجازفة بالتعرض للغرق، ومجازفة بالتعرض للعقاب ...
Halaman tidak diketahui