لا يمكن ... فلا بد من فلتة، إن لم تكن الطفولة كلها فلتة في نفوس الشذاذ الميئوس من فلاحهم، وهم غير قليلين ...
نظام وشيطنة، أو نظام ومخالفة، وهذان هما القطبان اللذان يتنازعان كل تلميذ في دراسته الباكرة، إن لم يتنازعاه في جميع أدوار الدراسة بعد سن الطفولة والصبا، فقد قرأت للقس الإنجليزي الفيلسوف المطران «إنج» أنه هو وزملاءه في كلية اللاهوت كانوا «يعاكسون» أستاذهم الكبير «فارار» على توقيرهم لعلمه وحبهم لشخصه، وكانوا يتعمدون أن يسوقوه إلى تكرير لوازمه ليضحكوا منها في «أكمامهم» كما يقول الإنجليز ...
وهؤلاء رجال لاهوتيون من أهل الورع والوقار، فما بالك بالتلاميذ الطلقاء من رهبة الدين وسمت الهيبة والسكينة؟!
فإذا عدت طالبا، فماذا أصنع بين هذين المتنازعين؟ ... هل أندم على قلة النظام أو على قلة التمرد فيما سلف من تلك الأيام؟
أحسب أنني أخذت من كليهما الكفاية، وأنني لا أبالي أن أعود كما كنت بغير تبديل كثير ...
كنت «نظاميا» في مواعيدي، فلا أذكر أنني تخلفت عن موعد حضور أو موسم امتحان أو حصة مذاكرة حين تفرض للمذاكرة حصص في ختام السنة الدراسية ...
وكنت إذا خالفت النظام، فإنما أخالفه في شيء يعنيني، ولا يعني المهتمين بدروسي وواجباتي.
إنما أخالفه في قليل من «البهدلة» التي تظهر في إهمال الملابس، وإهمال الحلاقة، وربما خالفته حبا للسرعة لا حبا للبهدلة والإهمال، فإنني لم أكن أطيق أن أنتظر «البذلة» عند الكواء، ولم أكن أعطي اللبس - ولا أنا أعطيه الآن - أكثر من بضع دقائق في عجلة وهرولة، وقد أترك للفراش تغيير «البذلة» دون أن أختار له «بذلة» أخرى، وقد يغيرها وأنا لا أعلم بالتغيير ... •••
لهذا كنت في مقدمة التلاميذ المرضي عنهم من وجهة النظام، وكان بعض الأساتذة وبعض الزملاء يتناولونني أحيانا بنكتة هنا وتشنيعة هناك من أجل البهدلة الكسائية، ولكنهم كانوا مع ذلك يتجاوزون عن هذه البهدلة اضطرارا إذا وجب استقبال زائر كبير بخطبة أو تحية شعرية، أو وجب حل مسألة حسابية أو حل مشكلة من مشكلات الأجرومية الإنجليزية يعيى بعلاجها زملائي المتخلفون في الحساب واللغة ...
وكنت - لحسن الحظ - محسوبا من المفرطين في رعاية النظام وأداء الواجبات، حين كنت في الحقيقة مفرطا في الخروج على النظام وإهمال الواجبات ... •••
Halaman tidak diketahui