فأجابه الرئيس: إن الأخبار التي وردت إلينا حتى الآن لا يظهر منها أنه يخشى على مدينة بيروت، وعلى ذلك فقد أمرت نظارة البحرية بارجة من أسطول البحر المتوسط بالذهاب من مالطة إلى سواحل بيروت وسواحل سورية.
وقال عضو ثالث: إن جماعة من المبشرين الإنكليز منتشرون في مدن سورية، فهل أخذت الاحتياطات اللازمة لوقايتهم؟
فقال الرئيس: يظهر أن قناصلنا لم يغفلوا عن ذلك، ولا عن حماية المرسلين الأميركيين، والمرجح أن المتحاربين يحترمون الراية الإنكليزية مهما كانوا؛ لأن أعمال بحريتنا المجيدة في سورية - ولا سيما في بيروت وعكاء - لم تنس من تلك البلاد حتى الآن.
ثم دارت المناقشة في مواضيع أخرى داخلية وخارجية.
أما في فرنسا فلم تدخل المسألة مجلس النواب، بل اكتفت الوزارة بالمداولة فيها، وبين ناظر الحربية أن الجنود مستعدة للسفر عند أول إشارة، وأن معارضات إنكلترا على ما جاءهم في التقارير السرية لا يعبأ بها؛ لأن إنكلترا لا تستطيع أن ترسل جيشا مثل جيش فرنسا، ولا تستطيع أن تمنع إرسال الجيش من فرنسا بعد أن يتفاقم الخطب في سورية، ويتحفز نصارى كسروان للأخذ بثأر إخوانهم.
الفصل الثالث والعشرون
استفحال الفتنة
سر الدروز بالفوز المبين الذي فازوه في ساحل بيروت، وودوا الاكتفاء به حاسبين أنهم قهروا الشهابيين، وهم عمدة النصارى، إلا أن والي بيروت لم يكن من رأيهم، فجمع بعض أمرائهم إلى الحازمية خارج بيروت، وقال لهم: إنكم لم تفعلوا شيئا حتى الآن، ولم يزل النصارى أقوى منكم كثيرا، ولا بد لهم أن يأخذوا بالثأر، ولا سبيل لإضعافهم حتى تأمنوا شرهم إلا بتخريب مدنهم الكبيرة: زحلة ودير القمر وجزين وحاصبيا وراشيا، فازحفوا عليها والفوز لكم.
فدبت النخوة في رءوس البعض منهم وقالوا له سمعا وطاعة، وخاف البعض الآخر سوء العاقبة، ولا سيما لأنهم كانوا يعلمون أن دول أوروبا لا يمكن أن تسكت عن ذلك، فقالوا له: إننا في المتن والشوف والعرقوب ووادي التيم كثار، ولا يعسر علينا التغلب عليهم، ولكن لا يخفى على دولتكم أن نصارى كسروان أكثر منا كثيرا، فإذا جاءوا لنصرة إخوانهم فلا طاقة لنا بهم.
فقال لهم: إننا احتطنا لذلك ونصارى كسروان لا يحركون ساكنا، ولو تظاهروا بمساعدة إخوانهم، ألم تروا كيف انفض جمعهم من بعبدا حالما أمرناهم بذلك؟ ثم انصرفوا من لدنه وأكثرهم واثق أنه يفعل ما وعدهم به.
Halaman tidak diketahui