قلتُ: في طاعةٍ لِرَبْ ... كَ أَبليتَ ذا النَّسب
" أبو نؤاس "
حدّث يموت بن المزرَّع، قال: حدَّثني خالي عمرو بن بحر الجاحظ، قال: كان كلثوم التَّعابي يضع من قدر أبي نواس، فقال له راوية أبي نؤاس يومًا: كيف تضع من قدر أبي نواس وهو الذي يقول " من الطويل ":
إذا نحن أثنينا عليكَ بصالحٍ ... فأنتَ الذي نُثني وفوق الذي نُثْني
وإن جرت الألفاظ منّا بمدحةٍ ... لغيركَ إنسانًا فأنت الذي نعني
فقال العتَّابي: هذا سرقة. قال له: وممَّن؟ قال: من أبي ذَهبل الجُمحيّ.
قال: حيث يقول ماذا؟ قال: حيث يقول " من الكامل ":
وإذا يُقال لبعظهم: نِعم الفتى ... فابن المغيرة ذلكَ النعمُ
عُقم النساءُ فلا يجئن بمثله ... إن النساءَ بمثلهِ عُقْمُ
قال: فقد أحسن في قوله " من المديد ":
فتمشَّت في مفاصلهم ... كتمشي البُرْءِ في السَّقَمِ
قال: سرقه أيضًا. قال له: وممن؟ قال: من شوسة الفقعسي. قال: حيث يقول ماذا؟ قال: حيث يقول " من الطويل ":
إذا نا السقيم حلَّ عنها وِكاءها ... تصعَّد فيه برؤُهَا وتَصَوَّبا
وإن خالطت منه الحشا خلتَ أنه ... على سالفِ الأيام لم يبقَ موصِبَا
قال: فقد أحسن قوله " من الطويل ":
فما خُلقت إلاَّ لبذلٍ أكفُّهم ... وأقدامُهم إلاَّ لأعوادِ منبرِ
قال: وقد سرقه أيضًا. قال له: وممن؟ قال: من مروان بن أبي حفصة.
قال: حيث يقول ماذا؟ قال: حيث يقول " من الطويل ":
وما خُلقت إلاَّ لبذل أكفُّهم ... وألسنهُم إلاَّ لتحبير منطقي
فيومًا يبارونَ الرياحَ سماحة ... ويومًا لبذلِ المخاطبِ المتشدِّقِ
قال يموت بن المزرَّع: سمعت خالي الجاحظ يقول: لا أعرف شعرًا يفضل قول أبي نواس " من الطويل ":
ودارِ ندامى عطَّلوها وأدلجوا ... بها أثرٌ منهم جديدٌ ودارسُ
مساحيبُ من جَرِّ الزِّقاقِ على الثرى ... وأضغاث ريحانٍ جَنيٌّ ويابسُ
حبستُ بها صحبي فجدَّدتُ عَهدهم ... وإني على أمثالِ تلكَ لحابسُ
ولم أدرِ من همْ غيرَ ما شهدتْ به ... بشرقيِّ ساباطَ الدِّيارُ البسَابسُ
أقمنا بها يومًا ويومًا وثالثًا ... ويومًا لهُ يومُ التَّرحُّل خامسُ
تُدارُ علينا الرَّاحُ في عَسجديةٍ ... حَبَتْها بأنواعِ التصاويرِ فارسُ
قرارتُها كسرى وفي جَنَباتها ... مَهًا تَدَّرِيها بالقِيِيِّ الفوارسُ
فللخمرِ ما زُرَّت عليهِ جيوبُها ... وللماءِ ما دارت عليهِ القلانسُ
قال الجاحظ: فأنشدتها أبا شعيب القلاَّل، فقال: يا أبا عثمان، لو نُقر هذا الشعر لطَنَّ! قلت: ويلك! ما تفارق الجرارة والخزفة حيث كنت!
" عيسى بن الفاسي "
وروى يموت بن المزرَّع، عن أبيه، قال: كان عيسى بن الفاسي يكتب لابن الصقر إسماعيل بن بلبل، وكانت له جارية يحبُّها، فاصطبح معها ذات يوم؛ فهو في صبوحه، حتى وافاه رسول إسماعيل في مُهمٍّ له، فكتب إليه " من البسيط ":
هبني لجاريتي وارحمْ تفرُّدَها ... بالوجدِ إنْ غبتُ عنها أيها الملِكُ
فقد غَدَونا وسترُ الله مُنسدلٌ ... والتام ما بيننا وانحلَّتِ التِّكَكُ
فحلف إسماعيل أنه يقيم عندها ثلاثة أيام، ووجَّه إليه بطيب ومال وكسوة.
" أبو النجم العجليّ "
حدثنا يموت بن المزرَّع، قال: حدثني أبو الأسود النوشجاني، قال: حدثني ابن دعلج، عن أبيه، عن جدِّه، قال: دخلنا إلى هشام في حوئج لنا فرأينا القاسم بن صُبيح، مولى بني عجل، منبسطًا في داره؛ فقام بأمورنا، وما رأينا أطلق منه وجهًا، ولا أكثر أدبًا، ولا أسمح كفًا. وكان أبو النجم الشاعر نازلًا عليه، وفيه يقول أبو النجم " من الزجر ":
أُقسمُ لولا قاسمٌ وبرُّهُ ... وأنَّه حرٌّ كريمٌ نجرُهُ
يطيبُ منه خُبرُهُ وذكرُهُ ... ما كان لي بيتٌ يكنُّ سترهُ
1 / 9