وما لبث أن عاد يقول في حنان ورفق: إن خير شيء أفعل هو أن أصارحك الحق يا سيدتي، فاعلمي إذن أنك إذا لم تجهدي البدن ولم تتأثري بعوامل قاهرة غالبة فقد تعيشين شهرا آخر، فإذا جاوزته إلى خمسة أسابيع كان ذلك إحدى المعجزات، أما الحياة بعد الأسابيع الخمسة فذلك ضرب من المستحيل، ونذيري إليك أن قلبك إذا هاجته هائجة من خوف أو حزن أو مسرة أو فرح، فلن يلبث أن ينطفئ كما تنطفئ ذبالة المصباح الذي نفد زيته.
قلت كأنما أحدث نفسي ذاهلة شاردة اللب: أربعة أسابيع؟!
قال: هلا جلست هنا قليلا حتى أعود إليك؟
ومضى إلى الحجرة الأخرى وبقيت وحدي.
يا لله! ما كان أعجب المشاعر المتضاربة التي جالت في نفسي، ولكن لم ألبث أن أحسست خاطرا شديد السلطان قد تملكني، وهو ... إذا كنت للحياة عما قليل مودعة، فلا حاجة بي إلى الخوف من زوجي بعد اليوم، والخشية من جبروته وطغيانه، ما دمت بعد أيام معدودة مفارقته متخلصة من وحشيته وبغيه وعدوانه.
يا لله! لقد بدا بين عيني صغيرا ضئيلا لا يخاف شره، ولا يؤبه بأذاه وضره.
ونهضت من مجلسي فوقفت إلى المرآة أتطلع إلى وجهي ...
وا حزناه! أذلك وجه امرأة في الثامنة والثلاثين! أم تلك الثياب الناصلة اللون بزة صالحة لزوجة رجل رب مزرعة حسنة الغلة، درارة الرزق؟
لقد كان أولى بي من زمان بعيد أن أكون رافلة في المطارف وأن يكون أولادي سعداء ينعمون بكل مباهج الحياة وأطايب العيش. فما لبثت في موقفي أن رحت أناجي النفس قائلة: لم يعد لي في الحياة غير أربعة أسابيع أو قرابتها فلن أتطامن خلالها لمذلة، ولن أصبر على سوء، ولن أدع الأولاد أشقياء أذلاء مساكين، يملأ الخوف من أبيهم أفئدتهم الصغار الوادعة، وماذا هو بي صانع إن خرجت على طغيانه وشققت الطاعة عليه؟ أقاتلي هو؟ وما شأن أيام تزيد أو أيام تنقص؟ ...
وعاد الطبيب بزجاجة، فقال: هذه الزجاجة تحوي دواء يخفف الألم إذا أمض حينا وأوجع.
Halaman tidak diketahui