قال: حقا، إن حالة زوجك من الحالات النفسية الغريبة، ولقد كان لتعليم أمه وإيحائها أسوأ الأثر، وأحسبها لا تزال شديدة السلطان عليه، فلم لا تتركينه وتأخذين معك طفلتك؟ إن من نكد الدنيا على المرأة العاقلة الأريبة مثلك أن تصبر على عيش كدر منغص مع زوج ضعيف الإرادة مجنون الغيرة كزوجك! ومن أسوأ الأثر في نفس طفلتك أن تدرج وتنمو في جو عاصف كهذا، وأفق تهب عليه الزعازع العاتية ...
ولكني لم أجد في النفس قوة على مواجهة هذه الفكرة، وخفت القالة وأشفقت من أن تلوك الألسنة سيرتنا وتمتضغها الأفواه ...
وعدت بعد بضعة أسابيع إلى بيتي ولم أر ذلك الطبيب بعد ذلك، وما أشد حسرتي اليوم على أني لم أعمل بنصيحته وتركت عيشي يسوء عما كان من قبل وتطم اليوم طامته . •••
رباه.! ألا ينفتح هذا الباب؟ ها هو ذا المسمار الأخير قد بدأ يتفكك، ها أنا قد دفعت الباب من موضعه أخيرا، وتعثرت عادية أطلب سرير طفلتي فتلقيتها في ذراعي الممتدتين لها وهي مغرورقة العين بالعبرات، وضممتها مليا إلى صدري، ثم انثنيت ألبسها ثيابها، وأقدم لها طعام فطورها، بينما راحت فكرة خاطفة كالوميض تلتمع في خاطري، وهي الخروج من هذا السجن الأليم، والالتجاء إلى أي مكان آخر قبل أن يعود زوجي؛ إذ ما يدريني لعله قاتلي إذا وجدني قد فتحت باب محبسي.
ولكن إلى أين المسير، وإلى من المفزع ...
خطرت لي صديقة تقيم غير بعيد عن حينا، فاحتملت الطفلة وهرعت إلى دارها فلم أجد غير وصيفة لها عجوز، فتركت طفلتي في ذمتها ريثما أعود بعد ساعتين لآخذها، وكانت نيتي أن أذهب إلى الطبيب ألتمس عنده النصيحة وأستعين ببعض الأصدقاء على توكيل محام عني ليطلب طلاقي من هذا الزوج الذي رنق صفو حياتي بجنون غيرته، وخشيت أن آخذ الطفلة معي، فقد كنت في حال من الرعب والاضطراب لا توصف، وخفت أن أفقدها في زحام المركبات والسابلة.
والتقيت بالطبيب فحدثته بجلية الخبر، فذعر لقصتي وحار في أمري، فلم يدر كيف الخلاص من موقفي، غير أن يستعين بأحد المحامين، فاتفقنا على أن نرفع الأمر إلى القضاء فأطلب طلاقي منه وإبقاء الطفلة في حضانتي.
وهدأت ثائرتي، ورأيت في ذلك الحل السريع بارقة الأمل، فعدت أدراجي مسرعة إلى بيت صديقتي فلقيت حارس المصعد، فإذا هو مضطرب يحاول الكلام معي ولكنه لا يفعل، فلم أفهم ماذا جرى.
وجاءت الوصيفة العجوز تفتح الباب فإذا هي في دموع تقول: إن الطفلة قد ذهبت ...!
وعندئذ أدركت فحوى الأمر قبل أن أسمع ما يقال لي، فقد جاء زوجي في غيبتي فاختطفها عنوة واقتدارا ...
Halaman tidak diketahui