فجاش الأردن وما حوله بدعوة يحيى بن زكريا أو يوحنا المغتسل المشهور بالمعمدان، وراح هذا النبي يدعوهم إلى التوبة والاغتسال من الذنوب، ويرمز إلى التطهر من الدنس بالتطهر في بحر الأردن على يديه، ويبشرهم أو ينذرهم بقرب «ملكوت الله» أو ملكوت السماء، وهو الملكوت الموعود منذ قرون.
وكان اليهود قد فهموا «ملكوت الله» على معنى غير الذي فهموه وتوارثوه من أيام السبي وزوال مملكة داود وسليمان.
فقد كانوا ينتظرون ملكا «مسيحا» من قبيل ملوكهم الذين كانوا يمسحونهم بالزيت المقدس ويسمونهم من أجل ذلك بمسحاء الرب أو المسحاء.
وكانوا يترقبون رجعة الدولة على يد فاتح ظافر من أبناء داود يجرد الكتائب ويجتاح القلاع والدساكر، ويقمع أعداءهم بالنار والحديد.
وتجدد رجاؤهم في مسيح من هذا القبيل بعد سقوط أعدائهم الأقوياء وذهاب دولة البابليين والمصريين، فلما تطاول الزمن ووقعت بلادهم في قبضة الدولة الرومانية - وهي في قوتها وعجز اليهود عن مقاومتها لا تقل في الدولتين الذاهبتين - يئسوا من الخلاص على أيدي الفاتحين الظافرين وتحولوا إلى الرجاء في قيام مسيح غير مسحاء العروش والتيجان، فترقبوه مسيحا في عالم الروح، وعلم الصالحون منهم أن الخلاص المنتظر إنما هو خلاص النفوس والضمائر بالتوبة والتطهير.
وكان أنبياؤهم قد بشروا بذلك المسيح قبل عصر الميلاد ببضعة قرون، فإذا هم يتدرجون من وصفه بالقوة والبأس إلى وصفه بالرحمة والحنان، ويتمثلونه وديعا رضيا يتجافى صهوات الخيل ويمتطي في موكبه حمارا ابن أتان.
هذا في نطاق الديانة الإسرائيلية.
أما في نطاق البحث والحكمة فإن الفلسفة كانت في ذلك العصر قد أوفت على غايتها، وأطلعت أعظم أعلامها وأكبر مدارسها، وشاعت في البلاد الفينيقية على الخصوص؛ لأن هذه البلاد كانت منشأ الرواقيين السابقين وكانت على اتصال دائم بآسيا الصغرى من جهة وبالإسكندرية من جهة أخرى، وهي يومئذ قبلة الفلاسفة والحكماء.
ومن هؤلاء الفلاسفة من بشر بالكلمة الإلهية وقال إن هذه الكلمة - ويعني بها العقل الإلهي - هي مبعث كل حركة ومصدر كل وجود.
ومنهم من قال إن الحب هو أصل جميع الموجودات ومساك جميع الأكوان، ومنهم من وعظ بالنسك والعفة وأوصى بالشفقة على الإنسان والحيوان وحرم ذبحه وزعم له روحا كانت تعقل في حين مضى وستعود إلى العقل بعد حين.
Halaman tidak diketahui