والحركة هي التي ترتقي به من صورة إلى صورة.
ولما كان الله هو المحرك الأول كما تقدم فهو موجد العالم على هذا الاعتبار، وهو قبلته التي يرتقي إليها، شوقا إلى مصدره منها.
وهذه هي الصلة كلها بين الله والعالم: فلا ينسب إلى الله في مذهب أرسطو أنه يهتم بالعالم أو يفكر فيه؛ لأنه تفكير فيما دونه أو تفكير لا يليق بكماله، ولا يعقل الله جل وعلا إلا أشرف معقول، وهو ذاته دون سواها.
وهذا هو الخطأ الذي جاء من الغلو في مذهب أرسطو: تناوله الحكماء الدينيون فلم ينكروا المقدمات ولكنهم أنكروا النتيجة التي تأدى إليها أرسطو من مقدماته، فقالوا: إن الله لا يعقل إلا أشرف معقول. نعم لا جدال في ذلك، ولكن أشرف معقول هو المعقول الذي يتحقق به كمال صفاته من القدرة والعلم والرحمة والجود، وإنما يتحقق جوده بإيجاد المخلوقات، ويتحقق علمه بنفي الجهل بها، وتتحقق رحمته برعايتها وتهذيبها. أما كيف يكون ذلك فالبحث فيه هو علة الخطأ في جميع تلك الفروض والأقيسة؛ لأنه سبحانه وتعالى جل عن الشبيه، فليس كمثله شيء، وليست أعمالنا كأعماله على فرض من الفروض.
ويقول أرسطو بوجود الروح ولكنه لا يقول ببقاء الروح الفردية بعد الموت، فالروح من عالم العقل، والعقل واحد في جميع الأفراد، وهم إذا اختلفوا بالأذواق الجسدية لم يختلفوا بالمدركات العقلية، فلا اختلاف بين إنسانين في إدراك الحقائق المجردة كالرياضة والمنطق وما جرى مجراها، ومؤدى هذا عند أرسطو أن العقل المجرد لا فردية فيه، وأن الروح تعود إلى العقل العام بعد فراقها للجسد، فلا فردية لها بعد الموت، ولكنها لا تفنى ولا تقبل الفناء. •••
ذلك أوجز تلخيص مستطاع لمذهب المدرسة الأثينية في الحكمة الإلهية، وقد توخينا فيه ما يكفي لتقدير خطوتها في هذه المرحلة الإنسانية الخالدة، فليس يدخل في موضوع هذا الكتاب تلخيص آرائها في غير فكرة الإيمان بالله.
ولعلنا نقدر هذه الخطوة حق قدرها إذا قلنا: إن المدرسة الأثينية عرضت على الفهم ما أخذته من إيمان الأولين، فنقلت البناء من أساس الإيمان إلى أساس البحث والقياس، وإن موقفها من المادة كان كموقف التسليم «بالأمر الواقع» كما يقولون في لغة السياسة؛ لأنها لم تقل بقدم العالم إنكارا لوجود العقل المستقل كما أنكره الماديون في العصور التالية، ولكنها قالت بقدم العالم رأيا لأنها وجدته ماثلا أمامها حسا، فلم تستطع أن تقاوم الحس في الماضي كما لم تستطع أن تقاومه في الحال.
المسيحية
لما ولد المسيح عليه السلام - والأرجح أنه ولد قبل التاريخ المشهور بأربع سنوات - كان كل ما في الشرق ينبئ برسالة مرتقبة واعتقاد جديد.
كان اليهود يترقبون المسيح المنتظر على رأس الألف الخامسة للخليقة، وهي عندهم مبدأ التقويم؛ لأن الاعتقاد العام كما قدمنا في تاريخ فارس وما بين النهرين كان يتجه إلى انتظار الخلاص في مطلع كل ألف سنة على يد رسول من السماء.
Halaman tidak diketahui