فقالا: نعم، تشفى من الدّاء كلّه. ... وقاما مع العوّاد يبتدراني.
فما تركا من سلوةٍ يعلمانها، ... ولا شربةٍ إلاّ وقد سقياني.
فقال: شفاك الله، والله مالنا، ... بما حملت منك الضّلوع، يدان
فويلي على عفراء ويلًا كأنّه ... على النّحر والأحشاء حدّ سنان،
فعفراء أصفى النّاس عندي مودّةً ... وعفراء عندي المعرض المتواني.
ثمّ شهق شهقةً توهّمت أنّها غشية فتنحّيت عنه، ودنت العجوز فوجدته قد قضى نحبه. فما برحنا حتّى دفنّاه.
وبلغ العشق أيضًا مجنون عامر إلى ما ذكرناه في موضعه. قال بعضهم: سمعت أعرابيّةً تطوف وهي تقول اللهمّ مالك يوم القضا، وخالق الأرض والسّماء، ارحم أهل الهوى، وأنقذهم من عظيم البلا، فإنّك تسمع النّجوى، قريبٌ لمن دعا. ثمّ أنشأت تقول:
يا ربّ إنّك ذو منٍّ وذو سعةٍ ... دارك بعافيةٍ منك المحبّينا
الذّاكرين الهوى من بعد ما رقدوا ... حتّى نراهم على الأيدي مكبّينا
فقلت لها: يا هذه أيقال هذا في الطّواف؟ فقالت: إليك عنّي، لا يرهقك الحبّ. فقلت: وما الحبّ؟ فقالت: جلّ أن يخفى، ودقّ على أن يرى: له كمونٌ ككمون النّار في الحجر، إن قدحته أروى، وإن تركته توارى. قال: فتبعتها حتّى عرفت منزلها، فلمّا
1 / 69