الله، أهدي إليه ابن طاهر من خراسان هديّةً جليلةً فيها جوارٍ، منهنّ جاريةٌ يقال لها محبوبة كانت قد نشأت بالطّائف، وكان لها مولىً قد عنى بها، فبرعت في فنون الأدب، وأجادت الشّعر. وكانت راويةً ظريفةً، مجيدةً للغناء. فقربت من قلب المتوكّل. وغلبت عليه. قال: فخرج عليّ يومًا، وقال لي: يا علي، دخلت السّاعة على قينة وقد كتبت بالمسك على خدّها جعفرًا، فما رأيت أحسن منه، فافعل فيه السّاعة شعرًا. فأخذت الدّواة والقرطاس، فانقفل عليّ، حتّى كأنّي ما عملت بيتًا قط فقلت: يا أمير المؤمنين، لو أذنت لمحبوبة أن تقول شيئًا عسى أن ينفتح لي. فأمرها، فقالت مسرعةً، وأخذت العود فجسته، وصاغت لحنًا، واندفعت وغنّت:
وكاتبةٍ بالمسك في الخدّ جعفرًا، ... بنفسي خطّ المسك، من حيث أثرّا
لئن أودعت سطرًا من المسك خدّها، ... لقد أودعت قلبي من الشّوق أسطرا.
فاعجب لمملوكٍ يظلّ مليكه ... مطيعًا له فيما أسرّ وأجهرا
قال عليّ: وغضب عليها مرّة، وكان لا يصبر عنها، فأمر جواري القصر أن لا تكلّمها واحدةً منهنّ. فكانت في حجرتها أيّامًا، وقد تنغّص عيشه لفراقها، فبكرت عليه يومًا، فقال: يا علي. قلت لبّيك يا أمير المؤمنين. قال: رأيت الليلة في منامي كأنّي رضيت عن محبوبة فصالحتها وصالحتني. فقلت: خيرًا يا أمير المؤمنين، أقرّ الله عينك وسرّك. إنّما هي عبيدتك، والسّخط والرّضا بيدك، فوالله، إنّا لفي حديثنا إذ جاءت وصيفةً، فقالت: يا أمير المؤمنين سمعت صوت عودٍ من حجرة
1 / 63